ينطق بلسان شاعر ما جن كبير، إذ يقول (?):
كم ليلة نادمت بدر سمائها … والشمس تشرق فى أكفّ سقاتها
والبدر يستر بالغيوم وينجلى … كتنفّس الحسناء فى مرآتها
خالفت فى الصّهباء كلّ مقلّد … وسعيت مجتهدا إلى حاناتها
أمحرّك الأوتار إن نفوسنا … سكناتها وقف على حركاتها
ومليحة أرغمت فيها عاذلى … قامت إلى وصلى برغم وشاتها
يا خجلة الأغصان من خطراتها … وفضيحة الغزلان من لفتاتها
والقيراطى إنما يستخدم مهارته الفنية التى صوّرناها فى غير هذا الموضع، ليدل على براعته فى محاكاة المجان لزمنه، بل لعل أحدا من معاصريه لا يستطيع اللحاق به فى مثل هذه الأبيات، وهو يجمع فيها بين جمال الطبيعة فى الليالى القمرية وبين الصبهباء أو الخمر وصاحبته أو الغزل، وهى طويلة، وقد نوّه بها الأسلاف طويلا لروعتها الموسيقية والتصويرية.
وأخذ يزاحم الخمر فى عصر المماليك تعاطى الحشيش، وحين أمر الظاهر بيبرس سنة 666 هـ.
بإغلاق حانات الخمور وحطم دنانها أمر بحرق الحشيش، وأشار إلى ذلك ابن دانيال فى بعض شعره ويقول حين أبطلت المنكرات فى أيام السلطان لاجين سنة 696 وفى مقدمتها الخمر والحشيشة (?):
احذر نديمى أن تذوق المسكرا … أو أن تحاول قطّ أمرا منكرا
ذى دولة المنصور لاجين الذى … قهر الملوك وكان سلطان الورى
إياك تأكل أخضرا فى عصره … ياذا الفقير يصير جسمك أحمرا
والأخضر: الحشيش. ويشير إلى العقاب الشديد الذى سينزل بمتعاطيه، ونهى ابن دانيال بالمثل عن تعاطى الخمر. وسرعان ما يذهب عصر لاجين كما ذهب عصر الظاهر بيبرس، ويعود نفر من الناس إلى الحشيشة والخمر، وممن تعلق بها ابن الصائغ، وله فيها عدة (?) مقطوعات من مثل قوله: