أن المصريين قلما يفحشون فى هجائهم، وكثيرا ما يتحول إلى ما يشبه عتابا رقيقا كقول ابن مكانس المتوفى سنة 794 هاجيا (?):
نعم نعم محضتهم … صدق الولا تطوّلا (?)
وما رعوا عهدا ولا … مودّة ولا ولا
وفى كلمة «ولا» الأخيرة تورية واضحة إذ يريد بها مقصور ولاء. ونراه حين يصادر أمواله وبغاله وخيله السلطان الظاهر برقوق لا يشمّ ولا يهجو بل يكتفى بقوله (?):
ربّ خذ بالعدل قوما … أهل ظلم متوالى
كلّفونى بيع خيلى … برخيص وبغالى
والتورية فى كلمة بغالى مع كلمة برخيص-وهو يريد بغاله الحقيقية-واضحة، وهو يعمد إليها فى هذا الظرف الحرج من محنته.
ونظل نلتقى بالهجاء فى أيام العثمانيين، من ذلك قول الشهاب الخفاجى من قصيدة جميعها على النمط التالى (?):
يا ضيعة الهميان من عائل … قبيل عيد أعوز الفطره (?)
ويا قفا المهزوم من فارس … أدركه فى ساحة قفره
وبهتة السّكران من هاجم … فى ليلة مظلمة قره (?)
ويا نعيّا جاء عن واحد … إلى عجوز مالها أسره
وتمضى القصيدة على هذا النحو الساخر اللاذع المصمى تكيل الذم لمهجوه كيلا وتهزأ به وتسخر منه سخرية قائلة.
وتلقانا مطارحة (?) طريفة بين الشاعر المعروف باسم شبانة المتوفى سنة 1200 للهجرة والشاعر قاسم بن عطاء الله المتوفى سنة 1204، فقد نظم شبانة-يداعب قاسما-قصيدة هجائية طويلة يقول فيها: