الدين إسماعيل اللمطى يهنئه فيها بولايته على أعمالها، وأعجب به اللمطى فاتخذه كاتبا له، وظل يعمل معه نحو عشر سنوات، ثم أخذت العلاقة تفتر بينهما، ويبدو من استعطافاته له فى بعض أشعاره أنه عزله من منصبه فهاجر من بلدته إلى القاهرة. ويظن بعض الباحثين أن هذه الهجرة حدثت فى سنة 619 وفى رأينا أنها تسبق هذا التاريخ بسنة أو أكثر إذ نراه يهنئ السلطان الكامل الأيوبى فى انتصاره العظيم سنة 618 على الصليبيين وطردهم من دمياط أو طرد فلولهم إلى البحر المتوسط وما وراءه. ويأخذ فى دعم صلته بأبناء السلطان الكامل منذ هذا التاريخ، ويحاول الاتصال بابنه الملك المسعود صاحب اليمن حين قدم إلى القاهرة سنة 621 ويقدم له مدحتين، ويخف على قلب أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب ويلحقه بخدمته، ويلبيّيه منشدا فيه قصيدة بديعة يقول فيها:
لبّيك يامن لا مردّ لأمره … وإذا دعا العيّوق لا يتعوّق (?)
الصالح الملك الذى لزمانه … حسن يتيه به الزمان ورونق
سجدت له حتى العيون مهابة … أو ما تراها حين يقبل تطرق
ويصحبه معه حين أصبح فى سنة 629 نائبا عن أبيه فى حكم بعض البلدان الشرقية فى نواحى الفرات. وعاش البهاء مع الملك الصالح فى رغد، ينعم بالحياة ويهنأ بها. وينتقل معه فى بلدان إمارته، غير أنه لم ينس موطنه، فقد ظل يذكره وظل لا ينسى أيامه فيه وأصدقاءه، ولا ينسى نيله الغدق ورياضه ومراكبه المصعدات المنحدرات، ويتلهف على العودة إلى واديه والعمل بجماله واكتحال عينيه بحسنه وبساكنيه وكل ما فيه، بمثل قوله:
سقى واديا بين العريش وبرقة … من الغيث هطّال الشآبيب هتّان (?)
بلاد إذا ما جئتها جئت جنّة … لعينك منها كلما شئت رضوان
تمثّل لى الأشواق أنّ ترابها … وحصباءها مسك يفوح وعقيان (?)
فيا ساكنى مصر تراكم علمتم … بأنى مالى عنكم الدهر سلوان
عسى الله يطوى شقّة البعد بيننا … فتهدأ أحشاء وترقأ أجفان