الإسبان إلى أنها فن تطور عن الشعر العربى المشرقى (?) وفى رأيى أنها فعلا تطورت عن شعرنا المشرقى وبالذات عن المسمطات والمخمسات، أليست تتكون من أدوار مثلها وغاية ما فى الأمر أن الشطر الأخير فى دور المسمط يتعدد مع اتحاده فى جميع الأدوار، فقد يصبح شطرين متقابلين أو عدة شطور، ويسمى قفلا. ويشهد لذلك نفوذ ديك الجن المتوفى سنة 235 إلى صنع منظومة موشحة (?)، وكأنما اطلع عليها بعده بعض شعراء الأندلس، وأخذوا فى محاكاتها واتسعوا فى هذه المحاكاة، بحيث أخذت الموشحة عندهم صورا كثيرة، حتى لقد ينظمونها من أوزان مهملة، بل حتى أصبحت كأنها محتكرة لهم، وكأنهم هم الذين صاغوها وأهدوها إلى الشعر العربى وشعرائه فى أقاليمه المختلفة. ومعروف أن الموشحة تتكون من أدوار أو أغصان كما أشرنا إلى ذلك، ومن شطور تسمى قفلا، ومن خرجة وتطلق على القفل الأخير. وتتحد شطور الأقفال دائما فى قوافيها المتقابلة فى الموشح كله، بينما تختلف قوافى الشطور فى الأغصان من غصن إلى غصن مثلها فى ذلك مثل أدوار المسمطات.
وقد أخذ شعراء المشرق العربى فى محاكاة نماذجها الأندلسية منذ القرن السادس الهجرى على الأقل، ومن أقدم صور هذه المحاكاة بمصر موشحة تقف بين النمط الأندلسى وبين المسمط المشرق المشرقى، وهى لعلى بن عيّاد الإسكندرى المتوفى سنة 526، فقد روى له العماد موشحة على هذا النمط (?):
يا من ألوذ بظلّه … فى كل خطب معضل
لازلت من أصحابه … متمسّكا بيد السلامه
آمنا من كل باس … فى الحوادث والصّروف
وتتردد قافية الشطرين الأخيرين مع كل شطرين يعقبان الأدوار التالية، وبذلك اتخذ منهما ابن عياد قفلا لموشحة على شاكلة الأندلسيين إذ يوحّدون قوافى الشطور فى الأقفال، بينما ينوعون فى قوافى الأدوار كما ينوع أصحاب المسمّطات. وعادة يبتدئ الوشّاح الأندلسى بالقفل ويتلوه بالدور، وقد يبتدئ بالدور ويتلوه بالقفل كما فى هذه الموشحة. ولظافر الحداد مواطن ابن عياد