حين وليها عبد الله بن طاهر قاصدا له بالمدح، وظل بها حتى سنة 214 كما تدل على ذلك أشعاره التى أنشدها الكندى فى مديح عبد الله بن طاهر وكذلك أشعاره فى رثاء عمير بن الوليد الوالى بعده. ويبدو أن صداقة انعقدت بينه وبين المعلى الطائى وابنه حطّان. إذ نجده ينشد فى ديوان الحماسة قطعة بديعة لحطّان يصور فيها عاطفة الأبوة الرحيمة الشفيقة إزاء البنات والأولاد بمثل قوله (?):
وإنما أولادنا بيننا … أكبادنا تمشى على الأرض
وهو بجانب من التعاطف الحميم فى الأسرة المصرية سنلتقى به مرارا عند الشعراء المصريين.
وأهم شاعرين مصريين فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى ذو النون المصرى الإخميمى مؤسس التصوف الإسلامى المتوفى سنة 245 وهو ينحدر من سلالة مصرية خالصة، والشاعر الثانى الجمل الأكبر الحسين بن عبد السلام المتوفى سنة 258 للهجرة، وفيه يقول ياقوت: «كان شاعرا مفلقا مدح الخلفاء والأمراء» ولحق أحمد بن طولون ولكن القدر لم يمهله.
ومرّ بنا أن أحمد بن طولون ولى إمارة مصر سنة 254 وأسس بها الدولة الطولونية، وقد أخذ ينهض بعمرانها فأنشأ قصرا ضخما، كما مر بنا فى غير هذا الموضع، وألحق به ميدانا فسيحا للعب الكرة. وأنشأ خمارويه ابنه بعده بستانا كان من عجائب الدنيا لما فيه من الزهر من كل لون وشكل. ومرّ بنا حديث مفصل عن كل هذه المنشآت. وعنى أحمد بن طولون ومثله ابنه خمارويه بالشعر والشعراء فأسبغا عليهم العطايا وأسبغ عليهما الشعراء مدائح كثيرة. ولعل ذلك ما جعل كثيرين من الشعراء يندبون دولتهم حين أزالها العباسيون سنة 292 للهجرة، ويذكر ابن تغرى بردى منهم إسماعيل بن أبى هاشم وسعيد القاضى الملقب بقاضى البقر ومحمد بن طشويه وأحمد بن إسحق (?)، ويقول المقريزى: رأيت كتابا قدر اثنتى عشرة كراسة مضمنة فهرستا بأسماء الشعراء الذين بكوا الدولة الطولونية» ويعلق على ذلك بقوله: «فإذا كانت أسماء الشعراء فى اثنتى عشرة كراسة فكم يكون شعرهم؟ مع أنه لا يوجد من ذلك الآن ديوان واحد» (?). وفى هذا ما يدل بوضوح على كثرة الشعراء بمصر حينئذ، ومما يدل على ذلك أيضا أن نرى الصولى المتوفى سنة 335 يؤلف كتابا فى أخبار شعراء مصر (?). فالشعراء تكاثروا بمصر منذ زمن الدولة الطولونية، ومنذ