ونمضى إلى زمن العباسيين وولاتهم وقضاتهم المتعاقبين على مصر. وتلقانا فى كتاب الولاة والقضاة أشعار كثيرة تتصل بالأحداث أو بهجاء بعض القضاة أو بمدحهم، ويصور ذلك إسحاق بن معاذ فى مديحه للمفضل بن فضالة الذى ولى قضاء مصر سنة 168 للهجرة، وعاد فهجاه (?). كما يصوره يحيى الخولانى فى هجائه لعبد الرحمن العمرى الذى ولى قضاء مصر فى أيام هرون الرشيد سنة 185 لكثرة ما اتخذ من الشهود ورضاه بانتساب بعض المصريين من سلالة الأقباط فى العرب، وهجاه أيضا بشغفه بالغناء وقبوله-فيما زعم-للرشوة (?). وفى هذه الأثناء نزل مصر أبو نواس الشاعر البغدادى المعروف قاصدا الخصيب بن عبد الحميد متولى الخراج (?) بها حوالى سنة 180 وأخذ ينثر عليه مدائح رائعة، ومدحته الرائية له: (أجارة بيتنا أبوك غيور) مشهورة. وأهم شعراء مصر حين زارها أبو نواس سعيد بن عفير والمعلّى الطائى، ولسعيد أشعار فى الولاة والقضاء للكندى تتصل بالأحداث والأشخاص بين سنتى 168 ر 209. والمعلى الطائى- بدون ريب-أشعر منه، وأشعاره عند الكندى تتردد بين سنتى 190 و 214 وروى له ابن سعيد فى قسم الفسطاط من كتاب المغرب أبياتا فى هجاء القاضى العمرى يصفه فيها بالظلم وأنه يتردد إلى المغنيات لسماع الغناء، وله مرثية رائعة لجارية له اختطفها منه القدر كانت تسمى «وصفا» وفيها يقول (?):
ياموت كيف سلبتنى وصفا … قدّمتها وتركتنى خلفا
وأخذت شقّ النفس من بدنى … فقبرته وتركت لى النّصفا
ونراه يتصل بالولاة ويمدحهم واحدا تلو الآخر، وممن اتصل بهم ومدحهم عبد الله بن طاهر حين ولى مصر سنة 211 وله يقول من مدحة طويلة (?)
يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة … وأظلم الناس عند الجود للمال
لو أصبح النيل يجرى ماؤه ذهبا … لما أشرت إلى خزن بمثال
ونزل مصر أبو تمام فى بواكير حياته، ويبدو أنه نزلها مرتين: مرة قاصدا عباس بن لهيعة الحضرمى القائم على الشرطة والخراج لواليها المطلب الخزاعى بأخرة من القرن الثانى، ومرة ثانية