وقد أخذ كل ما عند أبيه وعند أبى جعفر الدينورى، ورحل إلى بغداد وقرأ على المبرد كتاب سيبويه وعاد إلى الفسطاط يدرس النحو، وصنف لطلابه كتابا سماه المنمق. ونزل الفسطاط فى سنة 287 الأخفش (?) الصغير على بن سليمان، وظل بها حتى سنة 300 للهجرة، يعلم الطلاب النحو واللغة، وله شرح على كتاب سيبويه، لعله أملاه بمصر. ونمضى فى القرن الرابع الهجرى فيلقانا أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد المار ذكره، وكان نحويا كبيرا كما كان لغويا كبيرا وإليه صارت نسخة أبيه من كتاب سيبويه التى قرأها على المبرد، وله كتاب «الانتصار لسيبويه من المبرد» وفيه يرد على المبرد ما نقد به سيبويه فى كتابه الذى سماه «مسائل الغلط». وله آراء (?) نحوية طريفة.
وكان يعاصره كما مر بنا أبو جعفر النحاس اللغوى والنحوى الكبير، وكان يمزج فى كتبه النحوية بين آراء البصريين والكوفيين وأحيانا ينفذ إلى آراء اجتهادية جديدة مما يجعله بحق طليعة (?) المدرسة البغدادية فى مصر كما يتضح من كتابه الصغير «التفاحة فى النحو» وكتابه الكبير الرائع النفيس:
«إعراب القرآن». ويبدو أن اسمه واسم معاصره ابن ولاد طار إلى المغرب والأندلس فرحل إليهما كثيرون من الطلاب يأخذون عنهما، ومربنا أن منذر بن سعيد قاضى الجماعة بالأندلس حمل عن ابن ولاد كتاب العين للخليل بن أحمد، فمصر هى التى أذاعته فى الأندلس والمغرب. وحمل محمد بن يحيى الرّباحى عن أبى جعفر النحاس كتاب سيبويه رواية ودراية ودرّسه (?) لطلابه بقرطبة، وشاعت رواية هذه النسخة بحيث أصبحت أم الدراسات النحوية فى الأندلس وما رافقها هناك من نهضة فى النحو ومباحثه.
وأول نحوى كبير يلقانا فى زمن الفاطميين الحوفى (?) على بن إبراهيم المتوفى سنة 430 تصدّر لإقراء النحو وصنف فيه كتابا كبيرا استوفى فيه-كما قال من ترجموا له-العلل والأصول. وله مصنفات أصغر منه فى النحو اشتغل بها المصريون، وله فى إعراب القرآن كتاب فى عشرة مجلدات، ويبدو مما نقله عنه ابن هشام من آراء نحوية أنه كان بغدادى (?) النزعة يختار بعض آراء البصريين والكوفيين ويحاول النفوذ إلى بعض آراء جديدة. وكان يعاصره الذاكر (?) النحوى