فى ذلك ما ينقض كل ما قيل عن الأيوبيين من أنهم وقفوا الدراسات فى علوم الأوائل ولم يشجعوا عليها، فقد قدم السلطان الصالح نجم الدين أيوب أحد علمائها المتعمقين فى مباحثها على جميع فقهاء زمنه الشافعية. ويبرع فى عهد الأيوبيين مهندس رياضى كبير هو قيصر (?) بن أبى القاسم المتوفى سنة 649 وهو من أصفون بالصعيد، كان فقيها حنفيّا عالما بالقراءات وتعلق بالرياضيات والموسيقى وأنواع الحكمة، وهو الذى أقام لأمير حماة نواعير نهر العاصى البديعة التى لا تزال تنحدر المياه فيها من علو شاهق إلى اليوم، مؤلفة بذلك منظرا بالغ الروعة. وكان فلكيا مبدعا، فأنشأ كرة سماوية عظيمة لا تزال محفوظة إلى الآن فى المتحف الوطنى لمدينة نابولى بإيطاليا.

وكان الأيوبيون يهتمون بالطب والأطباء منذ صلاح الدين، وقد بدأ هذا الاهتمام باتخاذه مارستانا ضخما فى القاهرة وفيه يقول ابن جبير: «مما شاهدناه بالقاهرة من مفاخر السلطان صلاح الدين المارستان وهو قصر من القصور الرائعة حسنا واتساعا (?)» ويذكر أنه عين له قيما وضع لديه خزائن العقاقير. ويقول إنه وضعت فى مقاصر ذلك القصر أسرّة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكسوة، وبين يدى القيم خدمة يتكفّلون بتفقد أحوال المرضى بكرة وعشيا ويقدمون لهم ما يلزمهم من الأغذية والأدوية، ويذكر أن بالمارستان قسما خاصا بالمرضى من النساء ومعهنّ من الخدم من يتكفل بحاجاتهن، وقسما خاصا بالمجانين على مقاصيره شبابيك الحديد. ويقول ابن جبير إن بالفسطاط مارستانا آخر على مثال ذلك الرسم بعينه. وطبيعى أن يحتاج المارستانان إلى كثير من الأطباء. ولا بد أن نلاحظ أن المارستان فى القاهرة وبغداد جميعا كان دائما مدرسد للطب.

كما كان مستشفى، بالضبط شأن القصر العينى بالقاهرة حديثا كما أسلفنا. وأول من يلقانا منهم الشيخ السديد (?) أبو المنصور عبد الله الذى خدم الخلفاء الفاطميين ثم صلاح الدين وطالت حياته حتى سنة 592 وكان رئيسا على سائر المتطببين بمصر حتى وفاته، وعاصرته طائفة من الأطباء اليهود مثل ابن (?) جميع وكان له مجلس لمن يشتغلون عليه بصناعة الطب، ومثل الموفق بن شوعة المتوفى سنة 579 وأبى البيان بن المدور المتوفى سنة 580 وأبى الناقد الكحّال طبيب العيون المتوفى سنة 584 وموسى بن ميمون المتوفى سنة 601. وتكاثر الأطباء المصريون فى عهد صلاح الدين وبعده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015