«الفصول والغايات فى محاذاة السور والآيات» وهو لا يريد محاذاة القرآن فى أسلوبه وإنما يريد محاذاته فى تمجيد الله وتحميده والثناء عليه، وهو نفسه يقول فى كتابه: «علم ربنا ما علم، أنى ألفت الكلم، آمل رضاه المسلّم، وأتقى سخطه المؤلم، فهب لى ما أبلغ به رضاك من الكلم والمعانى الغراب». والكتاب جميعه وعظ وزهد وخوف من الله وتقوى وورع وعبادة ونسك، مع الشعور الدائم بالتقصير إزاء ربه وعبادته المثلى حتى ليقول (?):

«لو نقلت مياه اللّجج على منكبى فى قداف (?)، وأفرغته على مناكب الجبال، وجررت كثبان الأرض وصرائمها (?) فى جرّ أو مشآة (?)، فألقيتها فى الخضر (?) الدائمات، حفدا (?) لله كنت أحد العجزة المقصّرين، ولو أذن لى وأيّدت فاتبنيت مراهص (?) من الثّرى الأسفل إلى الثّريّا، ومن الوتد، المتّخذ من عود إلى وتد السّعود (?)، لم أؤد ما يوجبه جلال الله، فكيف وأنا أقصر الصلاة، وأدانى بين الركعات».

وهو يقول: مهما تنسك ومهما أدى من العبادات والأعمال فإنه لن يبرحه شعوره بعجزه وقصوره إزاء جلال الله وهيبته العظمى، حتى لو نقل مياه اللجج الزاخرة على منكبه فى جرار تلو جرار مفرغا لها على مناكب الجبال، وحتى لو جر كثبان الأرض كثيبا وراء كثيب فى زنابيل وألقاها فى لجج البحار تقربا إلى ربه، وحتى لو ابتنى من الثرى طبقات بعضها فوق بعض وبلغ بها عنان السماء إلى الثريا أو لو اتخذ من أوتاد العيدان أوتادا يتراكم بعضها فوق بعض، حتى يصل إلى وتد السعود، لظل شاعرا بوهنه وقصوره أمام ما توجبه تجلة الله وعظمته. وإنه ليصيح مبتهلا إلى ربه فى جزع لا يدانيه جزع: «إن كان الدمع يطفئ غضبك فهب لى عينين كأنهما غمامتا شتىّ (?) تبلان (?) الصباح والمساء (?)» إنه سيظل ما عاش باكيا ذارفا الدموع سائلا من ربه رضاه ورضوانه. ولهذه الصيحة أخوات كثيرة فى الكتاب، فأبو العلاء فيه دائما يناجى ربه ضارعا بل وجلا خائفا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015