دمشق وفوّضت إليه رياسة الطب والأطباء بها، وكان بارعا فى معرفة الأدوية المفردة وماهياتها واختلاف أسمائها وصفاتها وتحقيق خواصها وتأثيراتها كما يقول ابن أبى أصيبعة، وبذلك كان صيدليا كما كان طبيبا. وينوه ابن أبى أصيبعة بكتابه فى الأدوية المفردة وكيف كان يتعقبها ويسجلها إذ كان يصطحب معه مصورا ومعه الأصباغ واللّيق (جمع ليقة) على اختلافها وتنوعها وكان يتوجه إلى مواضع النبات فى الشام مثل جبل لبنان وغيره مما به نبات يختص به، ويشاهد النبات ويحققه، ويريه للمصوّر فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله، ويصوّره. وسلك فى تصوير النبات مسلكا فريدا، ذلك أنه كان يريه للمصوّر فى إبان بزوغه فيصوره، ثم يريه له فى وقت اكتمال نموه وظهور بزره فيصوره تلو ذلك، ثم يريه له فى وقت يبسه وذبوله فيصوره.

وبذلك ينظر قارئ كتابه إلى النبات فى أطوار نموه، حتى تتحقق له معرفته بدقة. ولسوء الحظ سقط هذا الكتاب الرائع من يد الزمن.

ويتوفى نجم (?) الدين اللبودى سنة 666 وكان يتعمق بحوث الفلسفة والفلك وعلم الطب وروى له ابن أبى أصيبعة مؤلفات كثيرة لم يبق منها إلا شرح له على كتاب القانون فى الطب لابن سينا ورسالة فى مسائل فسيولوجية. ورعاه فى الشطر الأول من حياته الملك المنصور إبراهيم بن أسد الدين شيركوه صاحب حمص. وتقلب فى البلاد ثم استقر بدمشق، وأسس بها مدرسة طبية وأخرى هندسية، إذ كان رياضيا بارعا كما كان طبيبا، وكانت له كتب فى الحساب والجبر والمقابلة. وكان يعاصره ابن أبى أصيبعة (?) الطبيب صاحب طبقات الأطباء الذى يتكرر ذكره فى الهوامش، توفى سنة 668 وقد ولد بدمشق وفى شبابه نزل القاهرة، وشغف بالطب وتلقاه على كبار الأطباء المصريين، حتى برع فيه، واشتغل فى البيمارستان الناصرى مدة، ثم جذبه إليه أمير صرخد بفلسطين فى الزمن الذى ذكرناه. زمن رعاة العلوم والآداب المتعددين من الأيوبيين، وأقام بها حتى وفاته، وكتابه الطبقات يحمل معارف واسعة عن المشتغلين بعلوم الأوائل: طب وغير طب حتى زمنه.

ونمضى إلى زمن المماليك، ويظل الاهتمام بعلوم الأوائل مطردا ويلقانا أبو الفرج يعقوب بن إسحق المشهور باسم ابن القف (?) المتوفى بدمشق سنة 685 وكان مسيحيا وهو تلميذ ابن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015