ويتكاثر شعراء الشام فى القرن الرابع الهجرى وتموج بهم حلب فى عهد سيف الدولة الحمدانى، ويترجم الثعالبى فى كتابه «اليتيمة» لكثيرين منهم، كما يترجم الباخرزى فى كتابه «دمية القصر» لطائفة من مشهوريهم فى القرن الخامس الهجرى، ويترجم العماد الأصبهانى وزير صلاح الدين الأيوبى فى القرن السادس لنحو مائة وثلاثين من شعراء الشام، وتحفل كتب التاريخ والتراجم-بعده-بالشعراء الشاميين فى أزمنة الأيوبيين والمماليك والعثمانيين.
وتشارك الشام-منذ القرن السادس-مشاركة خصبة فى الأشكال الجديدة من الشعر الدورى فتكثر بها المسمّطات والرباعيات والموشحات، ويشتهر فيها غير وشّاح. ومنذ أبى تمام يكثر شعراؤها من البديعيات، ويدخل الشعراء عليها صورا مختلفة من التعقيدات.
وأخذت أحلل شخصيات شعراء الشام فى عصر الدول والإمارات منذ القرن الرابع الهجرى، فللمديح أعلامه يتقدمهم ابن الخياط بملكته الشعرية الخصبة، وللفلسفة والحكمة أعلامهما يتقدمهم أبو العلاء المعرى مفخرة الشام الذى لا يماثله أديب سابق ولا لاحق فى الأدب العربى شعرا ونثرا، وللتشيع أعلامه يتقدمهم كشاجم بلوعاته وأنّاته لفاجعة الحسين، وللغزل أعلامه يتقدمهم عبد المحسن الصورى الذى نوّه به ابن خفاجة درّة الأندلس طويلا فى ديوانه، وللفخر أعلامه يتقدمهم أبو فراس الحمدانى بروميّاته التى جسّد فيها الفروسية العربية بكل ما لها من فتوة وصلابة عاتية. ويتوالى أعلام في شعر الطبيعة والزهد والتصوف والمدائح النبوية. ومع كل علم من الشعراء جميعا ما يتميز به من الخصائص وروائع الأشعار. وبلغ عدد من ترجمت لهم من أعلام الشعراء فى الشام خمسة وثلاثين شاعرا فذّا وذكرت بينهم فى كل غرض من أغراض الشعر شاعرا مجيدا من الشعراء فى أيام العثمانيين، ولم أترجم لعشرات من شعرائها ترجمت لهم كتب الطبقات لأنه لم يكن لأحدهم دور واضح فى تطور الشعر بالشام، وأنا لا أكتب دائرة معارف لشعرائها، وإنما أكتب تاريخ شعرها ومن تطوروا به وتركوا فيه بصمات واضحة جعلت لهم حظا كثيرا أو قليلا من الشهرة والمجد الأدبى. وفسحت لدراسة الشعر الشعبى وترجمت لأهم أعلام الزجالين بالشام: أبى العلاء بن مقاتل مع عرض أروع أزجاله.
وترقى الرسائل الديوانية بالشام فى عهد الدولة الأموية وتوضع رسومها وتقاليدها، حتى إذا انتهى عهدهم ولم يعد لديوان الإنشاء عمل بعدهم تراجعت هذه الرسائل وما طوى فيها من رقىّ إلى أن أخذت الدول منذ القرن السادس تتعاقب فى الشام وأخذت تعنى بهذا