فيها-زمن الدولة الأموية-كنوز العالم الإسلامى، مما أتاح لها فى تلك الدولة رخاء غير قليل، وظلت-بعدها-تنعم بعيش رغد لما فيها من أنهار وعيون وزروع وفاكهة متنوعة ونقل من فستق وغير فستق. وكان أهلها يتقنون-من قديم-صناعات الخزف والأثاث والمعادن والزجاج الملوّن والنسيج. وظلت التجارة منتعشة بها إلى نهاية أيام المماليك، إذ كانت بوّابة كبرى لتجارات آسيا وأوربا. وعرفت-مثل شقيقاتها العربيات-كثيرا من فنون اللهو والغناء. وشاع التشيع فى جوانب من ديارها وتعدّدت بها فرقه المتطرفة من إسماعيلية ونصيريّة ودروز وفداويّة، وشاع فيها الزهد والتصوف وطرقه وما يتصل به من الخانقاهات.
وكانت الحركة العلمية فى الشام نشيطة، وألممت بما كان بها-قديما-من تراث يونانى علمى وفلسفى، وتحدّثت عن رعاية حكامها-منذ الفتح العربى-لحركتها العلمية، ثم ما كان من تأسيسهم للمدارس فيها منذ القرن الخامس الهجرى وكثرتها كثرة مفرطة فى القرون التالية. وألممت بحركة الترجمة فى القرون الأولى للهجرة بها وكبار مترجميها وازدهار علوم الأوائل فيها من طب وفلسفة وفلك وهندسة ورياضيات وجغرافيا. وأوضحت ازدهار علوم اللغة والنحو والنقد والبلاغة مع عرض أعلامها جميعا عرضا تاريخيّا دقيقا، وبالمثل أوضحت ازدهار علوم القراءات والتفسير والحديث النبوى والفقه ومذاهبه وعلم الكلام مع التتبع الدقيق لأعلام كل منها تاريخيّا، وعرضت الكتابات التاريخية ومؤلفيها النابهين فى السيرة وتاريخ المدن والتاريخ العام وتاريخ الدول وكتب التراجم، وبذلك كله اتضحت الحركة العلمية فى الشام على مر الزمن، واتضح معها التاريخ الدقيق لجميع العلوم وأعلامها المجلّين.
وتحدثت عن اللغات فى الشام قبل الفتح العربى وكيف أنها كانت قد أخذت فى التعرب قبله بقرون، وتمّ لها هذا التعرب سريعا بحيث أصبحت العربية لسان سكانها جميعا. ولم يكن لها فى الشعر العربى نشاط يذكر قبل الإسلام، حتى إذا دخلت فى الدين الحنيف وهاجرت إليها جموع من القبائل القيسية النجدية المشهورة بنظم الشعر أخذ الشعر يكثر فى ألسنة أهلها من البدو والحضر، وأخذ يظهر فيها شعراء نابهون. وطوال أيام الأمويين كان شعراء الحجاز ونجد والعراق يفدون على دمشق لمديح الخلفاء، ونبغ فى البيت الأموى وبين خلفائه غير شاعر.
وتشارك الشام بقوة فى ازدهار الشعر العربى فى العصرين العباسيين: الأول والثانى.