الخصومة مستعرة فى زمنه بين الأشعرية والمعتزلة. ونحن نسوق له إحدى مقاماته، ولتكن المقامة البصرية نسبة إلى البصرة فى العراق، وهى تجرى على هذا النمط:
«حدّثنا عيسى بن هشام قال: دخلت البصرة وأنا من سنّى فى فتاء (شباب) ومن الزّى فى حبر ووشاء (ثوب مطرز) ومن الغنى فى بقر وشاء (غنم) فأتيت المربد (سوق البصرة) فى رفقة تأخذهم العيون ومشينا غير بعيد إلى بعض تلك المتنزّهات، فى تلك المتوجّهات، وملكتنا أرض فحللناها، وعمدنا لقداح اللهو فأجلناها، مطّرحين للحشمة إذ لم يكن فينا، إلا منّا، فما كان بأسرع من ارتداد الطّرف، حتى عنّ (ظهر) لنا سواد (رجل) تخفضه وهاد، وترفعه نجاد (مرتفعات) وعلمنا أنه يهمّ بنا، فأتلعنا (مددنا أعناقنا) له حتى أدّاه إلينا سيره ولقينا بتحية الإسلام، ورددنا عليه مقتضى السلام، ثم أجال طرفه فينا وقال: يا قوم ما منكم إلا من يلحظنى شزرا (بمؤخر عينه) ويوسعنى حزرا (تخمينا) وما ينبئكم عنى، أصدق منى. أنا رجل من أهل الإسكندرية، من الثغور الأموية، قد وطّأ (مهد) لى الفضل كنفه، ورحّب بى عيش، ونمانى بيت ثم جعجع بى (أهاننى) الدهر، وأتلانى (أتبعنى) زغاليل حمر الحواصل. . . ونشزت علينا البيض (الدراهم) وشمست (نفرت) منا الصّفر (الدنانير) وأكلتنا السود (الليالى) وحطّمتنا الحمر (السنوات المجدبة). . وهذه البصرة ماؤها هضوم (مهضم) وفقيرها مهضوم:
فكيف بمن:
يطوّف ما يطوّف ثم يأوى … إلى زغب محدّدة العيون (?)
كساهنّ البلى شعثا فتمسى … جياع النّاب ضامرة البطون (?)
ولقد أصبحن اليوم وسرّحن (أجلن) الطّرف فى حىّ كميت (يقصد نفسه) وبيت كلا بيت، وقلّبن الأكفّ على ليت، ففضضن عقد الضلوع، وأفضن ماء الدموع، وتداعين باسم الجوع:
والفقر فى زمن اللئا … م لكل ذى كرم علامه
رغب الكرام إلى الّلئا … م وتلك أشراط القيامه (?)
ولقد اخترتكم يا سادة، ودلّتنى عليكم السعادة، وقلت: قسما، إن فيهم لدسما، فهل من فتى يعشّيهن، أو يغشّيهن (يكسوهن) وهل من حرّ يغدّيهن أو يردّيهن (يلبسهن