والتقليد جميعه مسجوع، وليس فيه ألفاظ غريبة، فالوطواط ينطلق فى سجعه، وكأنه ينساب من معين زاخر دون أى عائق أو حائل. وبمثل هذه الصورة من السجع رسائله الإخوانية أو الشخصية فهى تجرى سائغة سهلة خفيفة على الأسماع والأفواه كقوله من رسالة وجه بها إلى الزمخشرى يستأذنه فى حضور دروسه ومجالسه:
«أنا منذ لفظتنى الأقدار من أوطانى، ومعاهد أهلى وجيرانى، إلى هذه الخطّة (خوارزم) التى هى اليوم بمكان جار الله-أدام الله دولته-جنّة للكرام، وجنّة (سترا) من نكبات الأيام، كانت قصوى منيتى، وقصارى بغيتى، أن أكون أحد الملازمين لسدّته الشريفة التى هى مخيمّ السيادة، ومقبّل أفواه السادة، من ألقى فيها عصاه، حاز فى الدارين مناه، ونال فى المحلّين مبتغاه، ولكن سوء التقصير، أو مانع التقدير، حرمنى تلك الخدمة، وحرّم علىّ هذه النعمة. والآن أظن-وظنّ المؤمن لا يخطئ-أن آفل جدّى (حظى) همّ بالإشراق، وذابل إقبالى أقبل على الإبراق، فقد أجد فى نفسى نورا مجدّدا يهدينى إلى جنّته، ومن شوقى داعيا موفّقا يدعونى إلى حضرته».
وتمضى الرسالة على هذا النمط من السجع الطبيعى. وكان يفسح فى شعره لكل صور البديع المتكلفة ولكل ضروب المحسنات من ترصيع وغير ترصيع. ونتركه للحديث عن ثلاثة هم فى الذروة من أدباء العصر فى مختلف حقبه الماضية: ابن العميد والصاحب بن عباد وبديع الزمان.
3 - ابن العميد (?)
هو أبو الفضل محمد بن الحسين، فارسى الأصل، من مدينة قم الشيعية الإمامية، فيها منشؤه ومرياه، مما أعدّه ليكون شيعيا إماميّا مثل أمرائه البويهيين. وكان أبوه كاتبا فذّا، كتب لما كان بن كاكى ثم للسامانيين، وهم الذين لقبوه بلقبه العميد كعادتهم فيمن يتقلد لهم ديوان الرسائل. ولم يلحق ابنه معه بديوانهم، بل ألحقه بدواوين البويهيين.
وخدم ركن الدولة الحسن بن بويه صاحب الرّىّ، ولم يزل يترقى عنده، حتى أصبح وزيره منذ سنة 328 حتى وفاته سنة 360.