أهلها بالفرس أعداء بيزنطة، فردوا الأحباش وظلوا بها حتى سنة 628 م إذ اعتنق باذان عاملهم الإسلام. وبذلك ينتهى التاريخ القديم للعرب الجنوبيين.
ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على أن عرب الجنوب لعبوا دورا واسعا فى تاريخ الحضارة العربية القديمة، وكانت حضارتهم عربية صافية لم تأتهم من الخارج، بل نمت وتطورت فى الداخل، إذ كان لهم قوانينهم وأنظمتهم ودساتيرهم، وكان لهم قدم راسخة فى عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود. وكانوا يؤلهون السيارات الفلكية والنجوم، وأثرت ديانتهم الوثنية فى العرب الشماليين إذ يظنّ أنهم أخذوا عنهم-كما أخذوا عن الآراميين-عبادة الكواكب، وكانت تقوم على أساس ثالوث هو القمر واسمه عند المعينيين ودّ، وكان إلههم الأكبر، وتليه الشمس التى اعتبروها زوجه وهى اللات، ومهما ولد عثتر أو العزّى أى الزهرة أو قينوس.
وبجانب هذا الثالوث كان عندهم آلهة أخرى ترمز لبعض النجوم أو بعض الطير أو بعض مظاهر الطبيعة، وكانوا يقدمون لها القرابين ويبنون الهياكل ويقوم عليها كهنة ذوو نفوذ كبير. ويظهر أنه كان لهم أدب دينى كثير، إلا أن الإسلام قضى عليه كما قضى على الأدب الوثنى فى الشمال. وقد حملوا مع قوافلهم وهجراتهم دينهم وحضاراتهم إلى العرب الشماليين، فأثروا فيهم آثارا بعيدة. وظلوا حتى ظهور الإسلام يشكلون عنصرا مباينا لهم، على الأقل من حيث النّسب، فكانوا يدعون القحطانيين أو اليمنيين، بينما دعى عرب الشمال باسم العدنانيين أو النزاريين. ويلاحظ أن قبائلهم المهاجرة اختارت فى الأكثر جوار الأمم المتحضرة، فنزلت غسان وقضاعة ومن إليهما فى الشام ونزلت لخم فى العراق. ومنهم من نزل فى داخل الجزيرة وأظهر ميلا إلى التحضر والاستقرار كالأوس والخزرج فى المدينة وكندة فى الشمال. على أن من تم منهم اندماجه فى البدو تلاشت فيه هذه النزعة مثل طيئ فى جبلى أجأ وسلمى. ومن يتعقب القبائل القحطانية فى الإسلام يرى أنها كانت تحترم النظام المطلق، بينما كان يمقته النزاريون.