شئون السبئيين الاقتصادية، ونازعهم ملوك ريدان أصحاب ظفار وغلبوا عليهم وعلى الدول الجنوبية منذ سنة 115 ق. م. وكانوا يتلقبون باسم ملوك سبأ وذى ريدان وحضرموت واليمنات، وهم الحميريون. ودولتهم آخر الدول العربية الجنوبية، ولا نصل إلى سنة 24 ق. م حتى نجد إليوس جالوس والى الرومان على مصر يجهز حملة كبيرة لفتح بلاد الحميريين والاستيلاء على ما بأيديهم من مفاتيح تجارة التوابل والأفاويه، وفشلت حملته فشلا ذريعا. غير أن الرومان اتجهوا إلى الملاحة فى البحر الأحمر، ويقال إنهم استولوا على ميناء عدن واتخذوها قاعدة لتموين سفنهم، فشلّوا بذلك تجارة الحميريين وساءت أحوالهم الاقتصادية، فأهملوا شئونهم العمرانية، وأخذ الخراب يدبّ فى البلاد، وظهر لهم خصم ثان هو ملوك الحبشة الذين حاربوهم واستولوا على بلادهم فى منتصف القرن الرابع الميلادى وظلوا بها نحو عشرين عاما، عادت بعدها الدولة الحميرية، ولكنها لم تعد إلى سابق قوتها، فإن القبائل الشمالية أخذت تغير عليها كما أخذ كثير من عشائرها يهاجر إلى الشمال. وفى نقوشهم ما يدل على أن الأعراب نزلوا بديارهم منذ القرن الرابع الميلادى واستقروا فيها، وقد أخذت لغتهم تتغلب فى بعض الجهات على لغة البلاد الأصلية كما أن من هاجر من عرب الجنوب إلى الشمال غلبت عليه لغة الشماليين، مما أعد لانتصار العربية الشمالية على العربية الجنوبية فى أواخر العصر الجاهلى.
وفى هذه الأثناء تغلغلت اليهودية فى الجزيرة العربية منذ اضطهد أباطرة الرومان اليهود فى القرن الأول للميلاد، واندفعت بعثات دينية مسيحية إلى الجنوب، واعتنقت مدينة نجران فى القرن الخامس هذا الدين الجديد. وربما كان السبب فى هذه البعثات المنافسة الشديدة بين فارس وبيزنطة. وأفزع ملوك حمير تغلغل النصرانية فى ديارهم، خوفا من تحولها إلى البيزنطيين، فناهضوها وأيضا فإنهم كانوا يخافون من ملوك الحبشة المسيحيين أن يدخلوا عن طريقها بلادهم. ونشب هناك صراع حاد بين اليهودية والنصرانية، ولا نلبث أن نرى ذا نواس آخر الملوك الحميريين يعتنق اليهودية ويحاول القضاء على المسيحيين فى نجران. فأوعزت بيزنطة إلى النجاشى أن يغزو اليمن، فغزاها سنة 525 واستولى عليها وضمها إلى بلاده. وظل هذا الاحتلال الحبشى نحو خمسين عاما، ثارت فيها اليمن ثورات عنيفة، وأخيرا استنجد