يا من هواه أعزّه وأذلّنى … كيف السبيل إلى وصالك دلّنى
وتركتنى حيران صبّا هائما … أرعى النجوم وأنت فى نوم هنى
عاهدتنى أن لا تميل عن الهوى … وحلفت لى يا غصن أن لا تنثنى
جاد الزمان وأنت ما واصلتنى … يا باخلا بالوصل أنت قتلتنى
واصلتنى حتى ملكت حشاشتى … ورجعت من بعد الوصال هجرتنى
لما ملكت قياد سرّى بالهوى … وعلمت أنى عاشق لك خنتنى
والأبيات جيدة والألفاظ فيها تتعانق فى خفة والمقابلات بارعة، والصور دقيقة، وقد أكمل صورة الغصن بانثنائه كناية عن جفاء صاحبته وإقبالها على غيره. وهو يأسى لنفسه أنها هجرته بعد وصالها وبعد أن ملكت عليه شغاف قلبه، وإنه ليتعثّر فى شباك حبّها، بينما انصرفت عنه إلى غير مآب، وعلى هذا النحو كان الشعر ناشطا فى عهد البوسعيديين ويلقانا من شعرائهم بأخرة من العصر أبو الصوفى سعيد بن مسلم.
وكانت البحرين تكتظ بالشعر والشعراء طوال حقب هذا العصر، ومن أوائل من نلقاهم بها الحسين بن أحمد الملقب بالأعصم الذى ولى أمر القرامطة سنة 359 ومرّ بنا حديث عنه وكيف أنه حارب الفاطميين تحت ألوية الخلافة العباسية، وكان شاعرا مجيدا، ومن شعره قوله:
إنى امرؤ ليس من شأنى ولا أدبى … طبل يرنّ ولا ناى ولا عود
ولا اعتكاف على خمر ومخمرة … وذات دلّ لها بالدّلّ تأويد (?)
وتوفى بالرملة فى فلسطين سنة 366 وكان يتخذ أبا نصر (?) بن أبى الفتح كشاجم كاتبا بين يديه، وكان شاعرا محسنا، وأنشد له الثعالبى فى اليتيمة طائفة من أشعاره فى الأطعمة وألوانها المختلفة لعصره، ومن قوله فى وصف كتاب:
وصاحب مؤنس إذا حضرا … جالسنى بالملوك والكبرا
جسم موات تحيا النفوس به … يجلّ معنى وإن دنا خطرا
أظلّ منه فى مجلس حفل … بالناس طرّا ولا أرى بشرا
وسرعان ما انتهى عصر القرامطة وخلفهم بنو الأصفر، ولا يظلون طويلا، ويعقبهم بنو العيونى منذ سنة 466 ويعملون على النهوض بالبحرين علميا وأدبيا، وتكون ثمرة ذلك ظهور شاعر نابه من الأسرة هو على بن مقرّب العيونى، وسنترجم له بين شعراء المديح. ويخلف