وأعلام الكتّاب فى العصر إبراهيم بن العباس الصولى والجاحظ وابن قتيبة وسعيد ابن حميد وأبو العباس بن ثوابة. وقد ولد إبراهيم بن العباس ونشأ ببغداد، وظهرت فيه مخايل الأدب مبكرة، فالتحق بدواوين الفضل بن سهل، وظل يعمل فى دواوين الدولة وولاياتها حتى نكبه ابن الزيات وزير المعتصم والواثق وسجنه، وعفا عنه الواثق، حتى إذا كان عهد المتوكل ابتسمت له الدنيا، فقلّده ديوان الرسائل ودواوين مختلفة، وظل يكتب كل ما يصدر عن المتوكل من منشورات وفتوح وعهود لأولياء العهد وتهنئات بالأعياد. وكثير من ذلك كله احتفظ به الطبرى، وهو يصوّر عنايته بتقطيع العبارات واصطفاء الألفاظ واستخدام بعض ألوان البديع دون إفراط، وقد يضيف إلى ذلك أحيانا اجتلاب بعض الأسجاع. وفى تحميداته ما يدل على ثقافة اعتزالية واضحة. وكان يوازن بين عباراته موازنات دقيقة فى الصوت والجرس والأداء، كما كان يعنى أشد العناية بمعانيه، حتى تروق كتاباته اللسان والجنان، وقد تصبح بعض القطع عنده سجعا خالصا.

والجاحظ أكبر كتّاب العصر، بل أكبر كتّاب العربية قاطبة، وقد نشأ بالبصرة وتمثّل كل ما كان فيها من معارف، وهو معتزلى كبير بل صاحب مذهب اعتزالى قائم بنفسه سمّى الجاحظية نسبة إليه. وهو لا يبارى فى وضوح كتاباته وقدرته على التوليد فى المعانى، واستنباط خفياتها ودقائقها. وقد صوّر فى أعماله مجتمعه بجميع طبقاته العليا والوسطى والدنيا. وكان يعنى بصياغته عناية كاملة، واستطاع أن يفرض على العربية أسلوبه الذى ابتكره، ونقصد أسلوب الازدواج، وحقّا نجد له مقدمات عند غيره، ولكنه هو الذى استمسك به وأشاعه فى جميع آثاره، مع روح الدعابة التى يتميز بها ومع الاستطرادات الكثيرة حتى لا يمله القارئ. وقد عرضت خمسة ألوان من كتاباته: اللون الأول المناظرات واخترت مناظرة معبد والنظام التى وضعها فى أوائل كتابه الحيوان واحتلت فيه نحو مجلد ونصف، وهى لا شك من عمله إذ جميعها بصياغته وأسلوبه. واللون الثانى رسائله الشخصية وهى حافلة بمهارته فى استنباط الأفكار وجمال أسلوبه. ومثلها اللون الثالث وهو رسائله الأدبية الباهرة.

واللونان الرابع والخامس هما القصص والنوادر، إذ كان قصّاصا ممتازا كما كان بارعا فى سرد النوادر.

وأكبر مؤلّف أدبى ظهر فى العصر بعد الجاحظ ابن قتيبة، وهو بحكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015