بعض المتصوفة كتب فى تصوفه مقالات نثرية بجانب ما كتب من أشعار على نحو ما يلاحظ فى كتاب الطواسين للحلاج. وكثرت المناظرات فى العصر بين المتكلمين وكذلك بين الفقهاء، ومناظرة الحسن بن عبد الله السيرافى ومتى بن يونس فى النحو والمنطق مشهورة، وبالمثل مناظرات اللغويين. وكأنما أصبحت المناظرات لغة العصر الفكرية حتى ليعنون كثير من الكتب باسم الردّ أو النّقض، وشاعت هذه الروح فى قصص وأخبار جمعت ونسّقت فى كتابى المحاسن والأضداد والمحاسن والمساوى، وهما كتابان نفيسان، تلتقى فيهما الثقافات العربية والإسلامية والأجنبية ومأثورات قصصية كثيرة عن الفرس والهند واليونان. وطبيعى أن تظل الرسائل الديوانية ناشطة فى العصر فقد كانت الدواوين تجذب إليها كتّاب العصر البارعين من أمثال عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وأحمد بن الخصيب وزير المنتصر. ونبغ بعض الولاة فى كتابة تلك الرسائل مثل محمد بن عبد الله بن طاهر، ومن كتابها النابهين لعهد المهتدى سعيد بن عبد الملك. وارتقى كاتب من كتابها المرموقين إلى مرتبة الوزارة فى عصر هذا الخليفة هو سليمان بن وهب، وكان ابنه عبيد الله وحفيده القاسم من كبار الوزراء ونابهى الكتّاب. ويشيع السجع فى الرسائل الديوانية لعصر المقتدر، ويصبح منذ هذا التاريخ ظاهرة عاما لا تخلو رسالة من وشيه وزخارفه. ويظل للرسائل الإخوانية نشاطها بدورها، ولا تترك موضوعا للشعر إلا وتشاركه فيه، ويشيع فيها السجع مبكرا، وتلقانا بعض رسائل مسجوعة سجعا خالصا، منها رسالة طويلة لأبى على البصير كلها هجاء مرير. وكان أبو العيناء يسجع فى رسائله الشخصية. وكان ابن مكرم لا يشيع السجع فى رسائله، ولكن ألفاظه كأنها درر مختارة سواء فى اصطفاء اللفظ أو فيما يوشّيها به من زخرف البديع. وكان أحمد بن سليمان بن وهب يسجع فى رسائله بينما كان يتخفف منه ابن أبى طاهر، ومثله ابن المعتز. وتنشط كتابة الرسائل الأدبية، وكان الجاحظ يشيع فيها أسلوب الازدواج، على حين نجد ابن المعتز فى رسالة طريفة يمدح فيها سامرّاء ويذم بغداد يملؤها بالسجع وألوان البديع وزخارفه. وكأن ذلك كله كان إرهاصا بأن السجع سيعمّ مع أواخر القرن فى جميع الرسائل سواء أكانت أدبية أو إخوانية أو ديوانية.