محمد بن داود فكان فقيها ظاهريّا وغزله أفلاطونى نقى طاهر، وكانت فضل من مولّدات البصرة، وهى أشعر الجوارى فى عصرها، ولها معاتبات ومراسلات كثيرة مع سعيد بن حميد. وكان كثير من الشعراء ينغمس فى اللهو والمجون، وكانوا يترافقون فى الديارات وفى الحانات وفى دور النخّاسين ومن أكثرهم خلاعة ومجونا الحسين بن الضحاك وأبو الشّبل البرجمىّ وعبد الله بن العباس بن الفضل ابن الربيع. ونادم الحسين غير خليفة، وهو فارسى الأصل، وتشيع فى غزلياته وخمرياته عذوبة مفرطة، ولا يلحقه أبو الشبل فى تلك العذوبة ولا فى خفة روحه.

وكان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يسرف فى الخلاعة والمجون، وله أشعار فى نصرانية هام بها هياما شديدا، وشعره مثل شعر الحسين بن الضحاك وافر الموسيقى. وكان يقابل شعراء الخمر والمجون شعراء الزهد والتصوف، وكانوا أقرب منهم إلى قلوب العامة التى كانت تعيش على شظف العيش وتعرف ربّها وتتقيه فى السر والعلن، ويتغنّى كثيرون بأشعار زاهدة، ويتكاثر المتصوفة ويتكاثر شعرهم فى المحبة الإلهية والفناء فى الذات العلية. ويظهر الحلاج الذى تمثل فى نفسه الحقيقة الإلهية، مع إيمانه بتنزيه الله واتحاد الناسوت وهو الروح الإنسانى فى اللاهوت وهو الروح الإلهى على نحو ما يصوّر ذلك كتابه الطواسين وما فيه من حديث عن هذا الاتحاد، وهو أول من أعدّ لفكرة الحقيقة المحمدية وأن الأديان جميعا تؤدّى إلى الله جلّ جلاله. وكان الشبلىّ الصوفى لا يغلو غلوه، إذ كان تصوفه سنيّا، مما جعله ينحىّ عن نفسه أفكار الاتحاد والشهود، ومع ذلك كان يكثر من الحديث عن الأحوال والمقامات، وكان يؤمن بفكرة الفناء فى الذات الإلهية ويلقانا فى العصر شعراء كثيرون ينظمون فى الطرد والصيد، وكان لهوا ومتاعا للخلفاء والوزراء وعلية القوم، وكانوا يخرجون إليه فى مواكب ومعهم الشعراء وكادوا لا يتركون ضاريا من ضوارى الصيد ولا جارحا من جوارحه إلا نعتوه، كما نعتوا الصيد من حمر الوحش وأتنه وثيرانه وبقره وظبائه ونعامه وأرانبه والطير والإوز، وبالمثل نعتوا آلاته من النّبل والسهام والفخاخ والشباك والبندق. ومن أهم الشعراء الذين شغفوا بوصف الصيد والقنص أبو العباس الناشئ، وكان من المعتزلة، وكان عالما وناقدا كما كان شاعرا بارعا، وقد اعتمد كشاجم على أشعاره فى صنع كتابه المصايد والمطارد مما يدل بوضوح على كثرة نظمه فى الطّرد والصيد، وله أشعار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015