على ما يصله به من أعطيات الدولة، وتنشأ بينه وبين ابنه القاسم الذى وزر بعده صداقة ثالثة ومودة أكيدة، وفى ذلك يقول منوّها بتلك الأسرة (?):
لآل سليمان بن وهب صنائع … إلىّ ومعروف لدىّ مقدّما
هم علّموا الأيام كيف تبرّنى … وهم غسلوا عن ثوب والدى الدّما
ويتوفّى المعتضد سنة 289، وكان ابنه المكتفى غائبا، ويضطر رئيس الحرس مؤنس إلى حبس جماعة من وجوه العباسيين حتى تؤخذ البيعة للمكتفى، وتمضى بسلام، ويسلك فيهم ابن المعتز، ونراه يجأر إلى القاسم بالشكوى من هذا الحبس الاضطرارى وسرعان ما يردّ إليه القاسم حريته، كما يرد إليه أعطياته ويوالى له العطاء، فيكثر ابن المعتز من مدحه، معترفا له بصنيعه من مثل قوله (?):
أصلح بينى وبين دهرى … وقام بينى وبين حتفى
ولا يلبث القاسم أن يلبى نداء ربه لسنة 291 ويظل المكتفى يفسح لابن المعتز فى مجالسه، وابن المعتز يكثر من مدائحه، وينوه بانتصارات جيوشه على قرامطة الشام وزعيمهم الحسين بن زكرويه القرمطى المعروف بصاحب الشامة، وينادمه ويحضر مجالس سماعه وشرابه.
ويتوفّى المكتفى لسنة 295 للهجرة ويتولى الخلافة من بعده ابنه المقتدر وسنه لا تتجاوز الثالثة عشرة فيكثر اللغط حوله ويتكلم الناس فى شأنه ويقولون كيف يتولى الخلافة من لم يبلغ الحلم، كما يقول كثيرون ينبغى خلعه. وتدخل سنة 296 وما يوافى شهر ربيع الأول حتى يزداد اللغط والكلام لاستيلاء أمه شغب وقهرمانتها على الحكم كما مر بنا فى غير هذا الموضع ولقصوره الواضح عن تدبيره شئون الخلافة. وفى يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول اجتمعت جماعة كبيرة من القواد والقضاة واتفقت على خلع المقتدر وتولية عبد الله بن المعتز وبايعته فى اليوم التالى (?)، وكان الرأس المدبر لذلك محمد بن داود بن الجراح الكاتب،