شهريّا، ويتوفّى فيتابع أخوه عبيد الله الذى خلفه على بغداد إجراء الرواتب عليه، وهو مع ذلك كله لا يتورع عن أن يأخذ من طالب فقير درهما كل يوم.
على كل حال كان المبرد مثله مثل المحاضرين الكبار بالمساجد ترعاهم الدولة وتفرض لهم رواتب شهرية، وكانوا أنواعا كثيرة، فمنهم فقهاء ومنهم لغويون ونحاة ومنهم محدّثون ومفسرون، ومنهم أدباء يأخذون من كل علم بطرف وعلى أيديهم كان يتخرج الندماء. وكان كل عالم وصاحب فن يأخذ راتبه مع جماعته، وكان منهم من يسلك فى جماعات كثيرة، فيأخذ مع كل جماعة الراتب الذى تأخذه، كالزجاج تلميذ المبرد، فقد جعل المعتضد له راتبا فى الفقهاء وراتبا فى العلماء وراتبا فى الندماء، فبلغ راتبه من الدولة ثلثمائة دينار شهريّا (?). وكان الموفق يجرى على ثعلب راتبا سنيّا (?). وكان المقتدر يجرى على ابن دريد العالم اللغوى المتوفى سنة 321 خمسين دينارا فى كل شهر (?). وكان أبو الحسن بن الفرات وزير المقتدر يطلق لطلاب الحديث سنويّا عشرين ألف درهم (?). وكان القضاة ورجال الحسبة من الفقهاء يتقاضون رواتب كثيرة، حتى ليثرى بعضهم من راته ثراء طائلا، على نحو ما مرّ بنا فى الفصل الماضى عن إبراهيم بن جابر القاضى بخلب.
ولم يكن الخلفاء العباسيون ووزراؤهم وحدهم الذين عملوا على تنشيط العلم وإعطاء الرواتب الجزيلة للقضاة والعلماء من كل صنف، فقد كان يشركهم فى ذلك حكام الولايات، وفى مقدمتهم أسرة الصفاريين حكام سجستان، إذ نرى أبا عبد الله البوشنجىّ شيخ أهل الحديث بنيسابور المتوفى سنة 291 يذكر أنه أخذ من تلك الأسرة سبعمائة ألف درهم، ولما دالت دولتهم تحوّل عنهم إلى السامانيين ببخارى، ففرضوا له راتبا مجزيا (?)، وقد بعثوا فى إمارتهم بتشجيعهم للعلماء نهضة علمية عظيمة، ويروى أن أميرهم إسماعيل بن أحمد السامانى كان يصل محمد بن نصر المروزى إمام المحدثين فى دياره المتوفى سنة 294 بأربعة آلاف درهم كل سنة، وكان أخوه إسحق يصله بمثلها، كما يصله بمثلها سكان موطنه سمرقند (?).