2 - تدهور الخلافة

رأينا الترك يسيطرون على أداة الحكم بعد مقتل المتوكل فى السنوات الثمان التى تلته، ثم منذ عصر المقتدر، إذ كانوا هم الحكام الحقيقيين للدولة، ولم يكن للخلفاء حينئذ أى سلطان، ومن أين يأتيهم السلطان والترك يولّونهم ويعزلونهم بل يسفكون دماءهم وكل ما يأتون من الأمر أو يدعون فإنما هو بتدبيرهم؟ وصوّر ذلك بعض الشعراء لعهد الخليفة المستعين (248 - 252 هـ‍)، فقال (?):

خليفة فى قفص … بين وصيف وبغا

يقول ما قالا له … كما يقول الببّغا

فالخليفة حينئذ كان أشبه ما يكون بببّغاء فى قفص يردّد ما يقوله مخاطبه ولا أمر يملكه، فالأمر كله لحاجبيه: وصيف وبغا، حتى إذا دارت فكرة خلعه بذهنيهما خلعاه، ووليّا بعده المعتز بالله (252 - 255 هـ‍) ويروى أنه لما جلس على سرير الخلافة أحضر أصحابه المنجمين وسألوهم كم يظل خليفة للمسلمين؟ وكم يعيش؟ وكان بالمجلس بعض الظرفاء فقال: أنا أعرف من هؤلاء المنجمين بمقدار خلافته وعمره، فقالوا له: فكم تقول إنه يعيش؟ وكم يملك؟ فقال: طالما أراد الترك ذلك، فلم يبق فى المجلس أحد إلا غلبه الضحك (?). ولم يمكث المعتز فى دست الخلافة سوى ثلاث سنوات إذ سرعان ما خلعه الترك وسفكوا دمه، وولوا بعده المهتدى (255 - 256 هـ‍) وكان حسن السيرة ورعا تقيّا اطرح الملاهى وحرّم الشراب والغناء، وكأنما آذت الترك سيرته الطاهرة فخلعوه، وولوا المعتمد (256 - 279 هـ‍)، وكان منهمكا فى اللهو واللذات غير أن أخاه طلحة الذى لقب بالموفق نهض بالأمر من دونه فثبّت الخلافة إلى أبعد حد، وأعاد إليها بحزمه وعزمه وجدّه هيبتها ومكانتها المهدرة، وقد ترك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015