الفصل الأوّل:
الحياة السياسية
مرّ بنا فى العصر العباسى الأول كيف هيّأ العباسيون لقيام دولتهم عن طريق الدعوة السريّة لإمام هاشمى يخلّص الموالى فرسا وغير فرس من حكم بنى أمية الجائر، محقّقا لهم المساواة المشروعة-بحكم الإسلام-بينهم وبين العرب فى جميع الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وسرعان ما أقبلت الجيوش الخراسانية مكتسحة كل ما لقيها من مقاومة للدولة الأموية حتى قضت عليها قضاء مبرما.
وأعلن العباسيون أنهم أصحاب الحق الشرعى فى الحكم والخلافة، وبذلك استأثروا بها من دون أبناء عمهم العلويين، مما جعل كثيرين منهم يثورون عليهم منوال العصر، كما جعل أنصارهم يدعون لبيتهم العلوى سرّا كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا، فى حين مضى العباسيون يعلنون أنهم أصحاب حق إلهى فى الحكم والسلطان وتمادوا فى حكم استبدادى أشد ما يكون الاستبداد محيطين أنفسهم بكثيرين من الحجّاب، أما الشعب فلم يزد فى رأيهم عن أن يكون أدوات مسخرة لجمع الخراج والضرائب الفادحة، مما دفع لقيام ثورات إيرانية مختلفة، على نحو ما صورنا ذلك فى كتاب العصر العباسى الأول. وحقّا كانت أعلى المناصب وأكثرها فى أيدى الفرس، وكان منهم أكثر الوزراء والقواد، غير أن العباسيين نكبوهم نكبات متوالية، على نحو ما هو معروف عن نكبة البرامكة ونكبة بنى سهل. ونشب من جرّاء ذلك عداء شديد بين الفرس والعرب. فالعرب يريدون استرداد مجدهم فى العصر الأموى والفرس لا يكتفون بما لهم من مجد حادث فى الدولة، وكأنهم يريدون أن يستعيدوا مجد دولتهم الساسانية القديمة ويمحقوا العرب محقّا، مما أعدّ