له فيها من تلاوين الجمال الموسيقى الآسر وأنغامه وألحانه الرائعة، ومع مهارته فى وصف المعارك البحرية ومظاهر الحضارة والعمران. وكان يقابله ابن الرومى ممثل النزعة التجديدية فى الشعر وموضوعاته وأساليبه ومعانيه، وقد نفذ بعبقريته النادرة إلى لون جديد من شعر الطبيعة الرائع ولون جديد آخر من الهجاء الساخر، غير أفكار وخواطر وتصويرات لم تخطر لمعاصريه ولا لسابقيه على بال. وتبرز حياة ابن المعتز وبيئته المترفة ومأساة أبيه وجده فى أشعاره، وهى تزخر بالصور والأخيلة. وكان الصنوبرى يعنى بصنعته الشعرية، وهو من شعراء الطبيعة، ويعدّ أول ناظم الثلجيات فى العربية.
وعرضت لكثيرين وراء هؤلاء الأعلام، ووزّعتهم على طوائف متقابلة، فشعراء للسياسة مع الخلفاء العباسيين أو مع الشيعة أو مع بعض الثوّار، وشعراء لبعض الوزراء والولاة والقواد، وشعراء هجاء عادىّ أو مرير، وشعراء غزل عفيف أو مادّىّ صريح. وشعراء لهو ومجون، وشعراء زهد وتصوف، وشعراء شعبيون.
وحاولت أن أتحدث فى كل طائفة عن خير من يمثّلونها، مع تصوير موجز لشخصياتهم الأدبية.
ومضيت أبحث النثر والتحام الفلسفة فيه بالعبارة الأدبية مصوّرا كيف تعاونت بيئات مختلفة فى وضع مقاييسه البلاغية، وكانت الخطابة قد ضعفت، ولكن الوعظ نشط نشاطا واسعا، وتحوّل من مواعظ زهدية إلى مواعظ صوفيّة، وأخذ ينشأ نثر صوفىّ شعبىّ يعتمد على القصّ والحكاية بأسلوب بسيط تفهمه العامّة. وتكثر المناظرات فى جميع البيئات العلمية، وتصبح من طوابع الكتابات الأدبية. وتجمع أقاصيص كثيرة عربية وغير عربية فى صور متقابلة من القدح والمدح. وتظل الرسائل الديوانية مزدهرة بفضل كتّابها النابهين.
وتنشط الرسائل الإخوانية، ويساعد ضيق رقعتها على أن يتكاثر فيها التأنق والتنميق. ويكتب ابن المعتز رسالة أدبية يملؤها بسجع كثير، ولا نصل إلى عصر الخليفة المقتدر حتى يصبح السجع اللغة العامة للنثر الأدبى جميعه.
وبحثت أعلام الكتّاب حينئذ، وهم إبراهيم بن العباس الصّولىّ، والجاحظ، وابن قتيبة. وسعيد بن حميد. وأبو العباس بن ثوابة. وكان الصولى أول رئيس