بسم الله الرّحمن الرّحيم
هذا الجزء الرابع من تاريخ الأدب العربى خاص بالعصر العباسى الثانى، وقد تناولت فيه الحياة السياسية وما حدث فيها من تحوّل مقاليد الحكم من أيدى الفرس إلى أيدى الترك. ولم يكونوا أصحاب ثقافة ولا حضارة، ولا كان لهم معرفة بإدارة ولا بنظم سياسية، ففسدت الأداة الحكومية فسادا شديدا. وكانت هناك طبقة تغرق فى الترف والنعيم، وكان جمهور الشعب يعيش فى الضّنك والبؤس. وظلت الحياة العقلية مزدهرة بما نقل-وما كان ينقل-من الثقافات الأجنبية. مما هيّأ لظهور فلاسفة عظام وعلماء بارعين فى جميع العلوم اللغوية والبلاغية والنقدية والتاريخية والإسلامية والكلامية.
وصوّرت نشاط الشعر حينئذ وكيف تمثّل الشعراء خصائص العربية ودقائقها الجمالية والموسيقية تمثلا تامّا. وكيف أودعوا أشعارهم ذخائر فكرية غزيرة، مما جعلهم يجدّدون فى الموضوعات القديمة والأخرى المستحدثة فى العصر العباسى الأول صورا مختلفة من التجديد، تحفل بما لا يكاد يحصى أو يستقصى من الأفكار المبتكرة والأخيلة المبتدعة. وظلوا ينمّون الشعر التعليمى وينظمون فيه التاريخ وغير التاريخ من صنوف المعرفة.
وبحثت بحثا تحليليّا تاريخيّا أعلام الشعراء فى العصر، وهم على بن الجهم والبحترى وابن الرومى وابن المعتز والصّنوبرى، أما ابن الجهم فكان داعية للمتوكل يصيح مهللا مع كل عمل له، وأروع أشعاره ما نظمه فى الاستعطاف وفى تصوير صلابة نفسه حين ادلهمّت له الخطوب ونزلت به الكوارث. وكان البحترىّ الشاعر الرسمىّ فى بلاط الخلفاء من زمن المتوكل إلى زمن المعتمد، وأشعاره تمثل النزعة المحافظة التى سادت حينئذ فى الشعر ونقده وتذوقه. مع ما سخّر