اللحظة، وترشده السكتة، قد أبصر خدمة الملوك وأحكمها وقام فى أمورهم فحمد فيها. له أناة الوزراء، وصولة الأمراء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، وجواب الحكماء، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يكاد يسترق قلوب الرجال بحلاوة لسانه وحسن بيانه، دلائل الفضل عليه لائحة، وأمارات العلم له شاهدة، مضطلعا (?) بما استنهض، مستقلا (?) بما حمل. وقد آثرتك بطلبه، وحبوتك بارتياده، ثقة بفضل اختيارك، ومعرفة بحسن تأتّيك».

وتلك الخصال فى الواقع كانت حينئذ الخصال المنشودة فيمن يتولّون أعمال الدواوين، وخدمة الوززاء والخلفاء، وهى ترينا ما كان يطلب فى الكاتب من ثقافة واسعة ومن حصافة وتهذيب فى الذوق وحلم وأناة وذكاء وقدرة على تصريف الأمور وإحسان للجواب ولباقة فى الخطاب وبلاغة فى الكلام بحيث يجذب القلوب والأسماع إليه، بل بحيث يسترق أفئدة الرجال ويستولى على عقولهم استيلاء.

ومن الكتّاب الذين طارت شهرتهم فى دواوين المأمون أحمد بن يوسف وعمرو بن مسعدة، وسنتحدث عنهما فى الفصل التالى، وكان وراءهما كثيرون لم يبلغوا مبلغهما فى الشهرة، منهم محمد بن يزداد «وكان بليغا مترسلا شاعرا» وله رسائل مجموعة (?)، ومنهم محمد (?) بن سعيد، ومنهم على بن عبيدة الريحانى الكاتب وكان أديبا فصيحا بليغا صنّف الكتب فى الحكم والأمثال واختصّ بالمأمون (?).

وفى مقدمة القواد والولاة الذين اشتهروا بالكتابة البليغة فى عصر المأمون طاهر (?) بن الحسين، وهو الذى قاد جيوش المأمون ضد أخيه الأمين وحاصره ببغداد حتى ظفر به وقتله فى سنة 198 للهجرة. وولاه المأمون خراسان والمشرق سنة 205 ولم يلبث أن توفى سنة 207، وله وصية طويلة كتب بها إلى ابنه عبد الله حين ولاه المأمون الرّقة سنة 206 وهى أشبه بدستور للحكم القويم والحاكم الرشيد، وقد وزعها بين ما يجب على الحاكم فى دينه وخلقه وما يجب عليه فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015