فهو يشبه رسوم الديار بالوحى أو الكتابة فى الحجارة الرقيقة، ويقول إن السيول جلت التراب عن الطلول، حتى لكأنما آثار الديار كتب طمست فأعيد بعضها على بعض وترك ما تبيّن منها، فهى مختلفة. ويقول الأخنس بن شهاب التغلبى (?):
لإبنة حطّان بن عوف منازل … كما رقّش العنوان فى الرّقّ كاتب
ويقول الحارث بن حلّزة اليشكرى البكرى (?):
لمن الديار عفون بالحبس … آياتها كمهارق العرس
ويدور هذا التشبيه كثيرا فى أشعارهم، مما قد يدل على أن كثيرين منهم كانوا يعرفون الكتابة، بل إن فريقا منهم، كما يقول الرواة، كان يعرف الكتابة الفارسية على نحو ما حدثونا عن لقيط بن يعمر الإيادى وعدى بن زيد العبادى (?). ومما لا شك فيه أن الكتابة كانت شائعة فى الحواضر وخاصة فى مكة التاجرة. وفى السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فداء الأسرى القرشيين الكاتبين فى بدر أن يعلّم الأسير منهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة (?)، وكان من يكتبون بين يديه الوحى وفيما يعرض من أموره وأمور المسلمين فى عقودهم ومعاملاتهم كثيرين (?). فالكتابة كانت معروفة بل كانت شائعة فى الجاهلية، ورويت أخبار متفرقة تدل على أن بعض الشعراء استخدمها بلاغا شعريا لقومه فى بعض ما حزبه من الأمر (?). وغلا كرنكو فزعم أن نظم الشعر فى الجاهلية كان مرتبطا بها وبمعرفتها بدليل اختلاف القراءات للفظة الواحدة، وأيضا فإن استخدام الشاعر لبعض القوافى النادرة يدل على أنه كان يلاحظ العين أكثر مما يلاحظ الأذن (?).