في المدن أو انقيادا لداعي التقوى في النفس أيام الشيخوخة كما في زهديات الغزال وممحصات ابن عبد ربه وهي قصائد تكفيرية نظمها لينقض القصائد اللاهية التي قالها في أيام الشباب. ووجد من الأتقياء من تخصص في هذا النوع من الشعر مثل ابن أبي زمنين صاحب ديوان " النصائح " وقاسم ابن نصير، الذي ألف أيضاً كتابا في الشعراء من الفقهاء تكملة لهذا الاتجاه الذي كان قد أنتجه في شعره.

ويقابل هذا المظهر العابس الباكي ناحية فكهة ضاحكة ولكنها أضعف ظهورا تميزا وان قال صاحب النفح: " ولأهل الأندلس دعابة وحلاوة في محاوراتهم وأجوبة بديهية مسكتة والظرف فيهم والأدب كالغريزة " (?) ، وقد يكون في هذا الكلام عن الأندلس عامة قسط من الحق غير قابل، إلا أننا نتحدث في هذه الفترة عن قرطبة، ولم تشتهر قرطبة كثيرا بهذه الروح مثلما اشتهرت اشبيلية مثلا (?) . وتشير النوادر الأندلسية إلى الحدة وشيء من البذاءة اللفظية وكثير منها يعتمد على أساس عملي حركي لا لفظي وهي تبليغ في حدتها منطقة الهجاء نفسه، وكان يمزجها بالهجاء كل من القلفاط والغزال ومؤمن بن سعيد وابن الشمر، وهم أظهر الشعراء ميلا إلى الدعابة في هذا العصر. وكان القلفاظ وهو أحد المعلمين ذا ولوع بالمؤدبين يعبث بهم، وكان الغزال ومؤمن بن سعيد لا يدعان فرصة من العبث تفوتهما وكثيرا ما تكون ضحاياهما من القضاة أنفسهم، غير ان النادرة المروية سردا أقوى مما هي في الشعر. ومن أمثلتها ان ابن الشمر طرح ذات يوم بين سحيات القاضي يخامر الشعباني سحاءة مكتوب فيها: يونس متى والمسيح بن مريم، فخرجت السحاءة إلى يخامر فأمر ان يدعى بهما إلى مسجد القضاء، فهتف الهاتف: يونس بن متى والمسيح ن مريم، فصاح ابن الشمر: نزولهما من اشراط الساعة؛ ثم أخذ سحاءة وكتب فيها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015