ومهما نحاول أن ننصف عصر المرابطين بالمقارنة مع عصر الطوائف فلا بد من أن نقر بأن شيئا من الاهتزاز قد أصاب القيم التي ينظر بها رعاة الأدب للشعراء، وان هذا الاهتزاز يرجع إلى عدة عوامل منها الاختلال السياسي في عصر ملوك الطوائف نفسه، ومنها الالتفات إلى الجهاد في عصر يوسف بن تاشفين بخاصة واعتباره الغاية الأولى في الدولة، واصطباغ الدولة بالصبغة الدينية، وضعف الرابطة بين الممدوح الذي لا يحسن تذوق الشعر البليغ وبين الشعر نفسه؛ ولكنا أيضا يجب أن نقدر إن هذا قد أصاب النظرة إلى الشعر والأدب في عصر الطوائف وبدأ قبل حلول المرابطين، ولعل شهادة رجل جواب مثل الحجاري الكبير تؤخذ دليلا على هذا الإحساس بالتغيير، فالحجاري أبو محمد بن عبد الله بن إبراهيم عم صاحب المسهب يقارن بين الماضي والحاضر - ماضيه مع أمراء الطوائف وحاضره مع الباقين الذين أدركهم وهو في سن عالية فيقول: " لم يقدر أن يقضي لي الأمتصار لهم في شباب أمرهم وعنفوان رغبتهم في الكلام، ولكن أجتمعت بهم وأمرهم قد هرم وساءت بتغير الأحوال ظنونهم، وملوا من الشكر وضجروا من المروة، وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضل للافضال، وكانوا كما قال أبو الطيب:
أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم وأن يكن أتاه على الهرم فانا اتيناه وهو في سياق الموت ". ثم قال: ومع هذا فان الوزير ابا بكر ابن عبد العزيز؟ رحمه الله - كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان، ويبسم في موضع القطوب، ويطهر الرضى في حال الغضب، ويجهد ألا ينصرف عنه أحد غير راض، فان لم يستطع