2 - الموثرات الشرقية:
اتسمت النماذج التي أصبح النثر الأندلسي قادرا على محاكاتها وتعددت إذ أصبح التراث المشرقي لدى الناثر الأندلسي يضم طرائق سهل بن هارون والجاحظ وكتاب القرن الرابع، وبخاصة بديع الزمان، ثم رسائل المعري ومقامات الحريري؛ وفي باب الخطب أصبحت خطب ابن نباتة هي النموذج الرفيع الذي يحتذى، وكاد كل كاتب يجد أنموذجه المفضل لدى واحد أو غير واحد من كتاب المشارقة. ولكن لا ينكر استقلال الكتاب الأندلسيين في الجزئيات ومحاولتهم التجديد في اختيار الموضوعات فإذا قرأنا ابن برد الأصغر أو ابن زيدون لمسنا أثر سهل ابن هارون والجاحظ بوضوح، ولكن هذا لا يعنى ان الكاتبين لم يخرجا من إسار دائرة التقليد.
فأما ابن برد فان رسالته التي تسمى " البديعة " في تفضيل اهب الشاء (?) تذكرنا برسالة سهل بن هارون التي أوردها الجاحظ في كتاب " البخلاء "، فهو يحاول أن يرد على من عابه باستعمال جلود الشياه، مثلما يرد سهل على من عابه بشئون التدبير والتوفير. وهو لذلك يحتج بآراء الصالحين وأقوالهم على طريقة سهل نفسه؟ أو على طريقة الجاحظ أن شئنا الدقة - فإذا سمعناه يقول: " وأي بساط منها أدل على التواضع، وأعرب عن القناعة، وأدفأ في السيبرة، وألين في المس، وأخف في المحمل، وأمكن للنقلة، وأوفق لمقدار الحاجة، وأجدر بطول المتعة، وأبقى على حدث الدهر، وأغنى عن تكلف التبطين،