وبحث الصفي الحلي في الأزجال مفيد من بعض نواحيه غير انه ملي بالأوهام الناجمة عن البعد المكاني وعن التباين في اللهجات. أما البعد المكاني فانه أفسد شيئا من تصورات الحلي عن القطر الأندلسي، وأعجزه عن أن يقطع جازما بأن ابن غرلة لا يمكن ان يكون مخترعا للزجل، إذ هو متأخر في تاريخه عن ابن قزمان، وأن هذا الشيء نفسه يصدق على مدغليس وان تنبه الصفي لهذا الثاني لأنه وجد في ديوانه إشارة إلى ابن قزمان. وهذا البعد المكاني جعله يتصور؟ مخطئا - أن المدن الأندلسية المختصة بالمسلمين وخرج منها الزجل والموشح هي اشبيليا وقرطبة وبلنسيا ومالقة (?) . وأما فرق اللهجة فقد نسبه الصفي؟ إلا قليلا - حين ذهب يقيس كلام الأندلسيين على كلام المشارقة في عصره أو يقيه على اللغة الفصحى، فهو يرى أن الفعل " أتحكم " قد زيدت فيه ألف وإنما أصله " تحكم " وان " نشياعو " اصلها " نشيعه "، ولم يتنبه إلى أنه إنما ينظر في لهجة جديدة مستقلة، وان الأصل الذي يجب أن يؤسس عليه بحثه هو استخراج قواعد عامة لتلك اللهجة، لا نسبة الزيادة والنقص إلى الألفاظ فيها، قياسا على اللغة الفصحى أو على ما في بعض اللهجات العامية بالمشرق.
وأمر آخر وهم فيه الحلي، وهو انه عد قصائد مدغليس الثلاث عشرة التي وجدها في ديوانه أزجالا، ولم ينتبه إلى الأندلسيين كانوا يسمون هذا اللون " شعرا ملحونا "، وان الزجل لديهم ذو دلالة مخالفة. وهذا ابن سعيد في المغرب يورد لأحدهم زجلا ثم يورد للزجال نفسه نموذجا يميزه باسم الشعر الملحون (?) . والفرق بينهما في ابتعاد الزجل عن شكل