وبعض الفرق، فإنهم يقولون: إن وجه الإعجاز في القرآن هو ما اشتمل عليه من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم، في مطالعه ومقاطعه وفواصله؛ أي: فكأنه بدع من ترتيب الكلام لا أكثر.
وبعضهم يقول: إن وجه الإعجاز في سلامة ألفاظه مما يشين اللفظ: كالتعقيد والاستكراه ونحوهما مما عرفه علماء البيان، وهو رأي سخيف يدل على أن القائلين به لم يلابسوا صناعة المعاني.
وآخرون يقولون: بل ذلك في خلوه من التناقض واشتماله على المعاني الدقيقة.
وجماعة يذهبون إلى أن الإعجاز مجتمع من بعض الوجوه التي ذكرناها كثرة أو قلة، وهذا الرأي حسن في ذاته، لا لأنه الصواب، ولكن لأنه يدل على أن كل وجه من تلك الوجوه ليس في نفسه الوجه المتقبل.
أما الرأي المشهور في الإعجاز البياني الذي ذهب إليه عبد القادر الجرجاني صاحب "دلائل الإعجاز" المتوفى سنة 471هـ "وقيل 474هـ" فكثير من المتوسمين بالأدب يظنون أنه أول من صنف فيه ووضع من أجله كتابه المعروف، وذلك وهم، فإن أول من جود الكلام في هذا المذهب وصنف فيه، أبو عبد الله محمد بن يزيد الواسطي المتوفى سنة 306هـ، ثم أبو عيسى الرماني المتوفى سنة 382هـ، ثم عبد القادر، وهذا الرأي كان هو السبب في وضع علم البيان، كما نبسطه في موضعه من تاريخ آداب العرب إن شاء الله.
ومذهب آخر لطائفة من المتأخرين: وهو أن وجه الإعجاز ما تضمنه القرآن من المزايا الظاهرة والبدائع الرائقة، في الفواتح والمقاصد والخواتيم في كل سورة وفي مبادئ الآيات وفواصلها قالوا: والمعول على ثلاث خواص:
1- الفصاحة في ألفاظه كأنها السلسال.
2- البلاغة في المعاني بالإضافة إلى مضرب كل مثل ومساق كل قصة وخبر في الأوامر والنواهي وأنواع الوعيد ومحاسن المواعظ والأمثال وغيرها مما اشتمل عليه؛ فإنها مسوقة على أبلغ سياق.
3- صورة النظم، فإن كل ما ذكره من هذه العلوم مسوق على أتم نظام وأحسنه وأكمله. ا. هـ.