ومحصل هذا المذهب أن الإعجاز في القرآن كله؛ لأن القرآن كله معجز ... وهو معجز؛ لأنه معجز.
ولجماعة من المتكلمين وأهل التقسيمات المنطقية على اختلاف بينهم شبه ومطاعن يوردونها على القرآن. وهي نحو عشرين وجهًا، كلها سخيف ركيك وكلها واه مضطرب، وكلها غث بارد، منها قولهم: إن معارضته التي يقطع بأنها مستحيلة، حاصلة فعلًا: فإن الله يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} قالوا: وكل من قرأ سورة منه فقد أتى بمثلها، أي: لأن من قرأها من المتأخرين يثبت بنفي هذه الشبه ونقضها؛ لأن سقوط الشبهة الواردة على الدليل، هو نفسه دليل صحته1.
وهذا برهان لم يكن لهم بد منه؛ فإن إنكار الإعجاز لم يقل به أحد من المتأخرين؛ وإنما وقع إليهم على هيئته في كتب الكلام وكتب التفسير التي يدرسونها؛ فهو رأي ميت، لو أنكروه بكل دليل في العلم لم يزده ذلك موتًا في الأرض ولا في السماء.
تلك هي أصول الأدلة لمن يقولون بالإعجاز2، لا نظن أنه فاتنا منها شيء إلا أن يكون قبيلًا مما زعمه بعضهم من أن حقيقة هذا الإعجاز هي أن العرب لم يعلموا وجه الترتيب الذي لو تعلموه لوصلوا به إلى المعارضة. وهو دليل لا يثبت شيئًا إلا عجز قائله وحده.
فإن قلت: أتنكر أن ما زعموه هو الدليل على الإعجاز، وأنه لا ينهض دليلًا ولا يتماسك إذا نهض وأنه زعم على الهاجس ورأي على ما يتفق، وأن مسألة الإعجاز لا تحل بصناعة الأقيسة وملابسة الجدال، وأن هذه التقسيمات وصحل لا يغني وحشو لا يسمن؟ قلت في ذلك: لشد ما ... !
أما الذين يقولون إن القرآن غير معجز، لا بقوة القدر ولا بضعف القدرة، فقد ذكرنا من أمرهم طرفًا، وأشدهم بعد الجعد بن درهم: عيسى بن صبيح المزدار وأصحابه المزدارية، وكان عيسى هذا تلميذًا لبشر بن المعتمر -من أكبر شيوخ المعتزلة وأفراد بلغائهم- ثم كان مبتلى بجنون التكفير، حتى سأله إبراهيم بن السندي مرة عن أهل الأرض جميعًا، فكفرهم، فأقبل عليه وقال: الجنة التي عرضها