ومنهم الذين يدعون إلى استبدال اللغة العامية المصرية بلغة القرآن الخاصية المضرية، والغرض من هذا وذاك صد المسلمين عن هداية الإسلام وعن الإيمان بإعجاز القرآن، فإن من أوتي حظا من بيان هذه اللغة، وفاز بسهم رابح من آدابها حتى استحكمت له ملكة الذوق فيها، لا يملك أن يدفع عن نفسه عقيدة إعجاز القرآن ببلاغته وفصاحته، وبأسلوبه في نظم عبارته، وقد صرح بهذا من أدباء النصرانية المتأخرين الأستاذ جبر ضومط مدرس علوم البلاغة بالجامعة الأمريكانية في كتاب "الخواطر الحسان"1.

وقد رأيت شيخنا الأستاذ الإمام مرة يقرأ في كتاب إفرنسي اللغة، لحكيم من حكمائها، فكان مما قرأ علي منه بالترجمة العربية، رد المؤلف على من قال من دعاة النصرانية إن محمد صلى الله عليه وسلم لم يأت بمثل آيات موسى وعيسى المسيح "عليهما السلام" قال: إن محمدًا كان يقرأ القرآن مولهًا مدلهًا2، صادعًا ومتصدعًا، فيفعل في جذب القلوب إلى الإيمان به فوق ما كانت تفعل جميع آيات الأنبياء من قبل3 ا. هـ.

لقد حار العلماء في كشف حجب البيان عن وجوه إعجاز القرآن، وبعد أن ثبتت عندهم بالوجدان والبرهان، حتى قال بعضهم إن الله تعالى قد صرف عنه قدر القادرين على المعارضة بخلق العجز في أنفسهم وألسنتهم، وذلك أن إدراك كنه العجز والإحاطة بأسبابه وأسراره ضرب من ضروب القدرة والمقام مقام عجز مطلق، فالقرآن في البيان والهداية كالروح في الجسد والأثير في المادة, والكهرباء في الكون: تعرف هذه الأشياء بمظاهرها وآثارها، ويعجز العارفون عن بيان كنهها وحقيقتها، وفي وصف ما عرف منها أو عنها لذة عقلية لا يستغنى عنها.

كذلك ما عرف من أسباب عجز العلماء والبلغاء على الإتيان بسورة مثل سور القرآن في الهداية والأسلوب أو حسن البيان، فيه لذات عقلية وروحية وطمأنينة ذوقية وجدانية، تتضاءل دونها شبهات الملحدين وتنهزم من طريقها تشكيكات الزنادقة والمرتابين.

فالكلام في وجوه إعجاز القرآن واجب شرعًا، وهو من فروض الكفاية وقد تكلم فيه المفسرون والمتكلمون. وبلغاء الأدباء المتأنقون، ووضع الإمام عبد القاهر الجرجاني مؤسس علم البلاغة كتابيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015