مقدمة الطبعة الثانية:

عرض الكتاب *:

بقلم المرحوم السيد محمد رشيد رضا

بسم الله الرحمن الرحيم

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} .

القرآن كلام الله المعجز للخلق في أسلوبه ونظمه، وفي علومه وحكمه وفي تأثير هدايته، وفي كشفه الحجب عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وفي كل باب من هذه الأبواب للإعجاز فصول وفي كل فصل منها فروع ترجع إلى أصول، وقد تحدى محمد رسول الله النبي العربي الأمي العرب بإعجازه؛ على شدة حرص بلغائهم على إبطال دعوته، واجتثاث نبتته، ونقل جميع المسلمين هذا التحدي إلى جميع الأمم فظهر عجزها أيضًا. وقد نقل بعض أهل التصانيف عن بعض الموصوفين بالبلاغة في القول أنهم تصدوا لمعارضة القرآن في بلاغته ومحاكاته في فصاحته دون هدايته، ولكنهم على ضعف رواية الناقلين عنهم لم يأتوا بشيء تقر به أعين الملاحدة والزنادقة فيحفظوه عنهم, ويحتجوا به لإلحادهم وزندقتهم.

ثم ابتدع بعض الأذكاء في القرن الماضي دينًا جديدًا وصنعوا له كتابًا1 توخوا وتكلفوا فيه تقليد القرآن في فواصله وادعوا محاكاته في إعجازه بهدايته، ومساهمته بإنبائه عن الأمور الغائبة المستقبلة، فكان من خزيهم وخذلان الله لهم أن اضطروا إلى كتمان هذا الكتاب المختلق والإفك الملفق، ليكلا يفتضحوا بظهوره، وهم ما زالوا يجمعون ما كانوا طبعوه من نسخه قبل أن يظهر فيهم الداهية الواقف على مخازي تزويره، وهم يحرقون ما جمعوه منها، ولعلهم ينقحونه ثم يبرزونه لجيل لم يطلعه عليها.

وقد نبتت في مصر نابتة من الزنادقة الملحدين في آيات الله، الصادين عن دين الله، قد سلكوا في الدعوة إلى الكفر والإلحاد شعابا جددًا، وللتشكيك في الدين طرائق قددًا، منها الطعن في اللغة العربية وآدابها، والتماري في بلاغتها وفصاحتها، وجحود ما روي عن بلغاء الجاهلية من منظوم ومنثور، وقذف رواتها بخلق الإفك وشهادة الزور، ودعوة الناطقين باللسان العربي المبين، إلى هجر أساليب الأولين، واتباع أساليب المعاصرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015