تاريخ ابن خلدون (صفحة 4700)

نافع [1] : توفي مالك ابن سبع وثمانين سنة، ولم يختلف أهل زمانه في أمانته، وإتقانه، وحفظه وتثبّته وورعه، حتى لقد قال سفيان بن عيينة [2] : كنّا نرى في الحديث الوارد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تضرب أكباد الإبل في طلب العلم فلا يوجد عالم أعلم من عالم المدينة» إنّه مالك بن أنس.

وقال الشافّعي: إذا جاء الأثر فمالك النّجم، وقال: إذا جاءك الحديث عن مالك، فشدّ به يديك، وقال أحمد بن حنبل [3] : إذا ذكر الحديث فمالك أمير المؤمنين.

وقد ألّف الناس في فضائله كتبا، وشأنه مشهور.

وأما الّذي بعثه على تصنيف «الموطّأ» - فيما نقل أبو عمر بن عبد البرّ- فهو أن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون [4] ، عمل كتابا على مثال «الموطأ» ، ذكر فيه ما اجتمع عليه أهل المدينة، ولم يذكر فيه شيئا من الحديث، فأتي به مالك، ووقف عليه وأعجبه، وقال: ما أحسن ما عمل هذا! ولو كنت أنا الّذي عملت لبدأت بالآثار، ثم شددت ذلك بالكلام. وقال غيره: حجّ أبو جعفر المنصور [5] ، ولقيه مالك بالمدينة، فأكرمه وفاوضه. وكان فيما فاوضه: يا أبا عبد الله لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك، وقد شغلتني الخلافة، فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به، تجنّب فيه رخص ابن عبّاس [6] وشدائد ابن عمر [7] ووطّئه للناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015