تاريخ ابن خلدون (صفحة 4701)

توطئة. قال مالك: فلقد علّمني التأليف، فكانت هذه وأمثالها من البواعث لمالك على تصنيف هذا الكتاب، فصنّفه وسمّاه «الموطأ» أي المسهّل [1] . قال الجوهري وطؤ يوطؤ وطأة، أي صار وطيئا، ووطّأته توطئة، ولا يقال وطّيته [2] .

ولما شغل بتصنيفه أخذ النّاس بالمدينة يومئذ في تصنيف موطّآت، فقال لمالك أصحابه: نراك شغلت نفسك بأمر قد شركك فيه النّاس، وأتي ببعضها فنظر فيه، ثم طرحه من يده وقال: ليعلمنّ أن هذا لا يرتفع منه إلا ما أريد به وجه الله، فكأنّما ألقيت تلك الكتب في الآبار، وما سمع لشيء منها بعد ذلك ذكر، وأقبل مالك على تهذيب كتابه وتوطئته، فيقال إنه أكمله في أربعين سنة. وتلقّت الأمة هذا الكتاب بالقبول في مشارق الأرض ومغاربها، ومن لدن صنّف إلى هلم [3] .

وطال ثناء العلماء في كلّ عصر عليه، ولم يختلف في ذلك اثنان. قال الشّافعيّ، وعبد الرحمن بن مهدي [4] : ما في الأرض كتاب بعد كتاب الله أنفع، وفي رواية أصحّ، وفي رواية أكثر صوابا، من «موّطأ» مالك [5] . وقال يونس بن عبد الأعلى [6] : ما رأيت كتابا الّف في العلم أكثر صوابا من «موطّأ» مالك.

وأما الطرق والروايات التي وقعت في هذا الكتاب، فإنه كتبه عن مالك جماعة نسب الموطأ إليهم بتلك الرواية، وقيل موطأ فلان لراويه عنه [7] فمنها موطأ الإمام محمد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015