العباب، وصقل الاستبصار الألباب، واستخلص العزم صفوة اللّباب، وقال لسان النّصر: «ادخلوا عليهم الباب» ، فأصبحت طوائف الكفّار، حصائد مناجل الشّفار، فمغافرهم قد رضيت حرماتها بالإخفار [1] ، ورءوسهم محطوطة في غير مقام الاستغفار، وعلت الرّايات من فوق تلك الأبراج المستطرقة والأسوار، ورفرف على المدينة جناح البوار، لولا الانتهاء إلى الحدّ والمقدار، والوقوف عند اختفاء سرّ الأقدار.
ثم عبرنا نهرها، وشددنا بأيدي الله قهرها، وضيّقنا حصرها، وأدرنا بلآليء القباب البيض خصرها، وأقمنا بها أياما تحوم عقبان البنود على فريستها حياما [2] ، وترمي الأدواح ببوارها، وتسلّط النّيران على أقطارها، فلولا عائق المطر، لحصلنا من فتح ذلك الوطن على الوطر، فرأينا أن نروضها بالاجتثاث [3] والانتساف [4] ، ونوالي على زروعها وربوعها كرّات رياح الاعتساف، حتّى يتهيأ للإسلام لوك طعمتها، ويتهنّا بفضل الله إرث نعمتها، ثم كانت من موقفها الإفاضة من [5] بعد نحر النّحور، وقذف جمار الدّمار على العدوّ المدحور، وتدافعت خلفنا السّيّقات [6] المتّسقات تدافع أمواج البحور.
وبعد أن ألححنا على جنّاتها المصحرة [7] ، وكرومها المستبحرة إلحاح الغريم [8] ، وعوّضناها المنظر الكريه من المنظر الكريم، وطاف عليها طائف من ربّنا فأصبحت كالصّريم [9] ، وأغرينا حلاق [10] النّار بجمم الجميم [11] ، وراكمنا في أحواف