أجرافها [1] غمائم الدّخان، يذكّر طيبه البان بيوم الغميم [2] ، وأرسلنا رياح الغارات «لا تذر من شيء أتت عليه إلّا جعلته كالرّميم» [3] ، واستقبلنا الوادي يهول مدّا، ويروع سيفه الصّقيل حدا، فيسّره الله من بعد الإعواز، وانطلقت على الفرصة بتلك الفرضة أيدي الانتهاز، وسألنا من سائله أسد بن الفرات [4] فأفتى برجحان الجواز، فعمّ الاكتساح والاستباح جميع الأحواز [5] فأديل [6] المصون، وانتهبت القرى، وهدّت الحصون، واجتثت الأصول، وحطّمت الغصون، ولم نرفع عنها إلى اليوم غارة تصابحها بالبوس، وتطلع عليها غررها الضّاحكة باليوم العبوس، فهي الآن مجرى السوابق ومجرّ العوالي [7] ، على التوالي، والحسرات تتجدّد في أطلالها البوالي، وكأن بها قد ضرعت، وإلى الدعوة المحمّدية أسرعت، بقدرة من لو انزل القرآن على الجبال لخشعت من خشية الله وتصدعت [8] ، وعزة من أذعنت الجبابرة لعزّه وخضعت، وعدنا والبنود لا يعرف اللفّ نشرها، والوجوه المجاهدة لا يخالط التّقطيب بشرها، والأيدي بالعروة الوثقى متعلّقة، والألسن بشكر نعم الله منطلقة، والسّيوف في مضاجع الغمود قلقه، وسرابيل الدّروع [9] خلقه [10] ، والجياد من ردّها إلى المرابط والأواري [11] ، ردّ العواري، حنيقة، وبعبرات الغيظ المكظوم مختنقة، تنظر إلينا نظر العاتب، وتعود من ميادين الاختيال والمراح،