تاريخ ابن خلدون (صفحة 4021)

بطرابلس في كفالة مولاه ظافر العلج، وهلك ظافر إثر مهلكه فاستبدّ عبد الرحمن بطرابلس وساءت سيرته فيها إلى أن نازلة أبو بكر بن محمد بن ثابت في أسطوله كما نذكر سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. وأجلب عليه بالبرابرة والعرب من أهل الوطن فانتقض عليه أهل البلد وثاروا به. وبادر أبو بكر بن ثابت لاقتحامها عليه وأسلموه إلى أمير من أمراء دباب فأجاره إلى أن أبلغه مأمنه من محلة قومه، وإيالة عمّه عبد الملك بقابس إلى أن هلك سنة تسع وسبعين وسبعمائة ولم يزل عبد الملك لهذا العهد وهو سنة إحدى وثمانين وسبعمائة واليا على عمله بقابس وابنه يحيى مستبدّ بوزارته، وحافده عبد الوهاب لابنه مكي رديف له، وقد تراجعت أحوالهم عما كانت وخرجت من أيديهم الأعمال التي كانت في عمالتهم لعهد أخيه أحمد مثل طرابلس وجزيرة جربة وصفاقس وما إلى ذلك من العمالات حتى كان التخت [1] إنما كان لأخيه، واليمن إنما اقترن بحياته وسيرتهما جميعا من العدالة وتحرّي مذاهب الخير والسمت، والاتسام بسمات أهل الدين حملة [2] الفقه معروفة حتى كان كل واحد منهم إنما يدعى بالفقيه علما بين أهل عصره حرصا على الانغماس في مذاهب الخير وطرقه. وكان لأحمد حظّ من الأدب، وكان يقرض الأبيات من الشعر فيجيد عفا الله عنه. وله في الترسيل حظّ ووساع بلاغة رسومها، وينحو في كتابه منحى أهل المشرق في أوضاع حروفهم وأشكال رسومها، ولأخيه عبد الملك حظّ من ذلك شارك به جهابذة أهل عصره وأفقه ولما انتظم السلطان أبو العبّاس أمصار إفريقية في ملكه واستبدّ بالدعوة الحفصيّة على قومه داخل أهل الجريد منه الروع، وفزعوا إليه للمعارضة في الامتناع فداخلهم في ذلك وأشاروا إلى صاحب تلمسان بالترغيب في إفريقية فعجز عنهم وألحّوا عليه فخام عن العداوة. وزحف مولانا السلطان خلال ذلك إلى الجريد فملك قفصة وتوزر ونفطة فبادر ابن مكي إلى التلبّس بالاستقامة وبعث إليه بالطاعة. ثم رجع السلطان إلى الحضرة فرجع هو عن المصدوقة واتّهم أهل البلد بالميل إلى السلطان فتقبّض على بعضهم وفرّ آخرون. وانتقض عليه بنو أحمد أهل ضواحيه من دباب فنازلوه وبعثوا إلى الأمير الأكبر بقفصة في العسكر لمنازلته، فبعثه إليهم وأحاطوا به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015