أحمد بن مكي مع محمد بن طالب بن مهلهل كبير البدو بإفريقية فيمن إليه، فاستنهضوه وقلّده الأمير أبو زيد حجابته وجعل أمره إليه. وأبرز الحاجب أبو محمد بن تافراكين سلطانه أبا إسحاق في عساكره مع خالد بن حمزة وقومه فالتقى الجمعان بمرمجنّة وكانت الدبرة على السلطان أبي إسحاق سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وجاءوا على أثرهم فنازلوا تونس أياما وما أفرجوا عنها إلا للصائح يخبرهم باحتلال عساكر بني مرين بالمرية من آخر أعمال تلمسان، وأن السلطان أبا عنّان قد استلحم بني عبد الواد، وجمع كلمة زناتة، واستقام له أمر المغربين. وأطلّ على الثغور الشرقية فافترق جمعهم. ولحق الأمير أبو زيد بقسنطينة، وأحمد بن مكي بقابس، وسأل من الأمير أبي زيد أن يقسّم رسم الإمارة بينهم في قابس وجربة بأخيه السلطان أبي العباس فأذن له في ذلك، فكانت أول ولايته السعيدة ومضى إلى قابس فنزلها، ثم أجاز البحر إلى جربة، ودفع عنها العسكر الّذي كان محاصرا للقشتيل من قبل ابن ثابت صاحب طرابلس، ورجع إلى قابس حتى كان من أمره ما ذكرناه.
وأوفد السلطان أبو العباس أخاه أبا يحيى زكريا على أبي عنان ملك المغرب صريخا على شأنه، وأوفد ابن مكي رسله متذمّما ومذكرا بوسائله فتقبّل وأغضى. ثم كانت واقعة العدو دمّره الله بطرابلس سنة أربع وخمسين وسبعمائة كما قدّمناه فبعث إلى السلطان أبي عنّان يسأله فديتها والنظر لها من بين ثغور المسلمين، فحمل إليه خمسة أحمال من الذهب العين من بيت المال، أوفد بها من أعيان مجلسه: الخطيب أبا عبد الله بن المرزوق، وأبا عبد الله محمد حافد المولى أبي علي عمر بن سيد الناس.
وعقد لأحمد بن مكي على طرابلس فاستقل بها، وعقد لأخيه عبد الملك على قابس وجربة وأقاموا على دعوته. ومدّ أحمد يده إلى صفاقس فتناولها وتغلب عليها سنة سبع وخمسين وسبعمائة وهلك السلطان أبو عنّان وقد شرق صدر ابن تافراكين الغالب على الحضرة بعدا وتهما فردّد عليهما برا وبحرا إلى أن استخلص جزيرة جربة من أيديهما أعوام أربعة وستين وسبعمائة وعقد عليها لولده محمد فاستخلف بها كاتبه محمد بن أبي القاسم بن أبي العيون من صنائع الدولة كما ذكرناه.
وهلك أحمد بن مكي سنة ست وستين وسبعمائة على تفيئة مهلك الحاجب بن تافراكين بالحضرة فكأنهما ضربا موعدا للهلكة وتوافياه. وتخلّف ابنه عبد الرحمن