ثم انتهز الفرصة ودخل بعض العرب من بني عليّ في تبييت المعسكر، وبذل لهم في ذلك المال فبيّتوه وانفض وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من حضرته سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ونزل القيروان وتوافت الفئتان [1] وبعث رسله للأعذار بين يديه فردّهم ابن مكي بالطاعة ثم احتمل رواحله ونزل بأحياء العرب. وأغذّ السلطان السير إلى البلد فدخلها واستولى على قصورها، ولاذ أهل البلد بالبيعة فآتوها واستعمل عليهم من بطانته وانكفأ راجعا إلى تونس. وهلك عبد الملك لأيام قلائل بين أحياء العرب.
وهلك بعده ابنه عبد الرحمن وابن أخيه أحمد الّذي كان صاحب طرابلس بعد أبيه، ولحق ابنه يحيى وحفيده عبد الوهاب بطرابلس فمنعهم ابن ثابت من النزول ببلده لما كان متمسكا بطاعة السلطان، فنزلوا بزنزور من بلاد دباب التي بضواحيها وأقاموا هنالك. واستقامت النواحي الشرقية على طاعة السلطان وانتظمت في دعوته والله مالك الملك.
ثم ذهب يحيى بن عبد الملك إلى المشرق لقضاء فرضه، وأقام عبد الوهاب بين أحياء البرانس [2] بالجبال هنالك، وكان الوالي الّذي تركه السلطان بقابس قد ساء أثره في أهلها، فدسّ شيعتهم إلى عبد الوهاب بذلك وجاء إلى البلد فبيّتها، وثاروا بالوالي فقتلوه سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وملك عبد الوهاب قابس وجاء أخوه [3] يحيى من المشرق بعد قضاء فرضه، فأجلب عليه مرارا يروم ملكها منه، ولم يتهيّأ له، ونزل على صاحب الحمّة فداخله عبد الوهاب في أن يمكّنه منه، ويشرط ما شاء. وتم ذلك بينهما وأوثقه كتافا وبعث به إليه واعتقله بقصر العروسيّين، فمكث في السجن أعواما. ثم فرّ من محبسه ولحق بالحامة على مرحلة من قابس مستنجدا بابن وشّاح صاحبها، فأنجده. وما زال يجلب على نواحي قابس إلى أن ملكها وتقبّض على عبد الوهاب ابن أخيه مكي فقتله أعوام تسعين وسبعمائة. ولم يزل مستبدّا ببلده إلى سنة ست وتسعين وسبعمائة وكان عمر ابن السلطان أبي العبّاس قد بعثه أبوه لحصار طرابلس فحاصرها حولا كما نذكره، حتى استقام أهلها على الطاعة وأعطوا الضريبة فأفرج عنها. ورجع إلى أبيه فولّاه على صفاقس وأعمالها فاستقل بها، ثم دخل أهل