فلعل هذه الأحياء الذين بالشام من بني الجراح وآل فضل من بني خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم أنهم انتقلوا إلى حلب وحاضر طيِّئ، لأن هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بني الجراح بفلسطين من جبلي أجا وسلمى الّذي هو موضع الآخرين، فاللَّه أعلم أي ذلك يصح من أنسابهم. وتحت خفارتهم بنواحي الفرات ابن كلاب [1] بن ربيعة بن عامر دخلوا مع قبائل عامر بن صعصعة من نجد إلى الجزيرة.
ولما افترق بنو عامر على الممالك الإسلامية اختص هؤلاء بنواحي حلب وملكها منهم بنو صالح بن مرداس من بني عمرو بن كلاب. ثم تلاشى ملكهم ورجعوا عنها الى الأحياء وأقاموا بالفرات تحت خفارة هؤلاء الأمراء من طيِّئ.
(وأما ترتيب رياستهم) على العرب بالشام والعراق منذ دولة بني أيوب العادل وإلى هذا العهد، وهو آخر ست وتسعين وسبعمائة، فقد ذكرنا ذلك في دولة الترك ملوك مصر والشام، وذكرناهم واحدا بعد واحد على ترتيبهم. وسنذكرهم هاهنا على ذلك الترتيب فنقول: كان الأمير لعهد بني أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما كان بعده حسام الدين مانع بن حارثة بمصر والشام.
وفي سنة ثلاثين وستمائة ولي عليهم بعده ابنه مهنا. ولما ارتجع قطز بن عصية بن فضل أحد ملوك الترك بمصر والشام من أيدي التتر، وهزمهم بعين جالوت، أقطع سلمية لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن مظفّر بن شاهنشاه صاحب حماة، ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا. ثم ولي الظاهر على أحياء العرب بالشام عند ما استفحل ملك الترك. وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن مانع، وجرّ له الاقطاعات على حفظ السابلة، وحبس ابن عمّه زامل بن عليّ بن ربيعة من آل فضل على سعايته وإغرامه. ولم يزل يغير على أحياء العرب، وصلحوا في أيامه لأنه خالف أباه في الشدّة عليهم، وهرب إليه سنقر الأشقر سنة تسع وسبعين وستمائة وكاتبوا أبغا واستحثوه لملك الشام.
وتوفي عيسى بن مهنا سنة أربع وثمانين وستمائة فولى المنصور قلاون من بعده ابنه مهنا.
ثم سار الأشرف بن قلاون إلى الشام ونزل حمص، ووفد عليه مهنا بن عيسى في