إِذْ ذَاك صبي فَانْهَزَمَ سقمان وَأسر ابْن أَخِيه ياقوتي فحبسه كربوغا صَاحب الْموصل بماردين إِلَى أَن سَأَلت زَوْجَة أرتق كربوغا فِي إِطْلَاق ابْن ابْنهَا ياقوتي فَأَطْلقهُ فأعجب ياقوتي ماردين فَأرْسل يَقُول للْمُغني: إِن أَذِنت لي سكنت فِي ربض قلعتك وحميتها من المفسدين، فَأذن لَهُ بالْمقَام فِي الربض فَأَقَامَ بهَا ياقوتي وَجعل يُغير من خلاط إِلَى بَغْدَاد وَمَعَهُ حفاظ قلعة ماردين وَهُوَ يحسن إِلَيْهِم فاطمأنوا إِلَيْهِ وَسَار مرّة وَنزل مَعَه أَكْثَرهم فقبضهم وقيدهم وأتى إِلَى بَاب قلعة ماردين وَقَالَ لأهلهم: إِن سلمتم القلعة إِلَيّ وَإِلَّا ضربت أَعْنَاقهم فامتنعوا فَضرب عنق وَاحِد فسلموها إِلَيْهِ وَأقَام بهَا وَجمع جمعا وَقصد نَصِيبين ولحقه مرض أعجزه فَحمل حَتَّى ركب الْفرس وأصابه سهم فَسقط ياقوتي وَمَات مِنْهُ، ثمَّ ملك ماردين بعده أَخُوهُ على مُطيعًا لجكرمش صَاحب الْموصل واستخلف على ماردين من أَصْحَابه شخصا اسْمه عَليّ أَيْضا، فَجهز هَذَا عَليّ يَقُول لسقمان: إِن ابْن أَخِيك يُرِيد أَن يسلم ماردين إِلَى جكرمش، فَسَار سقمان وتسلم ماردين، وَعوض ابْن أَخِيه عَنْهَا بجبل جور، واستقرت ماردين وحصن كيفا لسقمان إِلَى أَن سَار إِلَى دمشق وَمَات بالقرينين فَصَارَت ماردين لِأَخِيهِ إيلغازي بن أرتق واستقرت لوَلَده إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَهُوَ سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمائة.

وفيهَا: نهبت الباطنية الْحجَّاج فِي جوَار الرّيّ، وهم حجاج الْهِنْد وَمَا وَرَاء النَّهر وخراسان وقتلوهم سحرًا.

وفيهَا: تقَاتل الْملك رضوَان بن تتش صَاحب حلب وفرنج أنطاكية عِنْد يبرين فَانْهَزَمَ الْمُسلمُونَ وَقتل مِنْهُم وَأسر، وملكت الفرنج أرتاح.

وفيهَا: توفّي مُحَمَّد عَليّ بن الْحسن بن أبي صقر الشَّافِعِي، تفقه على أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَغلب عَلَيْهِ الشّعْر. فَمن قَوْله لما كبر:

(ابْن أبي الصَّقْر افتكر ... وَقَالَ فِي حَال الْكبر)

(وَالله لَوْلَا بولة ... تحرقني وَقت السحر)

(لما ذكرت أَن لي ... مَا بَين فَخذي ذكر)

وولادته فِي نَحْو سنة سبع وَأَرْبَعمِائَة.

ثمَّ دخلت سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة: فِيهَا سَار سيف الدولة صَدَقَة ابْن مزِيد من الْحلَّة فَملك الْبَصْرَة اتِّصَال بن ملاعب بِملك أفامية واستيلاء بِملك أفامية الفرنج عَلَيْهَا: كَانَ خلف بن ملاعب الْكلابِي صَاحب حمص وَأَصْحَابه يقطعون الطَّرِيق، فَعظم الضَّرَر بِهِ فَأخذ تتش صَاحب دمشق مِنْهُ حمص وتقلبت بخلف الْأَحْوَال إِلَى أَن أَقَامَ بِمصْر وَاتفقَ أَن مُتَوَلِّي أفامية من جِهَة رضوَان بن تتش صَاحب حلب كَانَ شِيعِيًّا فكاتب خلفاء مصر ليرسلوا من يسلم إِلَيْهِ أفامية فَطلب ابْن ملاعب ذَلِك فَأَرْسلُوهُ وتسلم أفامية وقلعتها، فَلَمَّا اسْتَقر خلع طَاعَة المصريين وَأقَام بهَا يقطع الطَّرِيق فاتفق قَاضِي أفامية وَجَمَاعَة مِنْهَا وكاتبوا رضوَان ليرسل جمعا يكبسون أفامية بِاللَّيْلِ ويسلموها إِلَيْهِم فَفعل رضوَان ذَلِك فأصعد القَاضِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015