له حكم لقمان وصورة يوسف ... وحكم سليمان وعدل أبى بكر
فقال له: قل قد حكمناك، فان شئت على قدرنا وان شئت على قدرك. قال:) بل على قدري (فأعطاه خمسين ألفا، فقال له جلساؤه: هلا احتكمت على قدرة الأمير؟ فقال لهم: لم يكن في ماله ما يفي بقدره، فقال له داود: أنت في هذه أشعر منك في شعرك، وأمر له بمثل ما أعطاه.
وأنشدني أيضا قصائد تقيدت في غير هذا، واجازني جميع مروياته، فهو روضة الأدب الناعمة الغضة، وصحيفة الرواية النقية المبيضة، وحامل المكارم المنقضة والمحامد المرفضة، وجامع المحاسن التي بها أدمع الصبابة منفضة، ألسنا لمن وأخاه، السنى في كل ما يتوخاه، العاكف على ما يحمد عقباه. العارف بما رواه ورواه، الحفى بمن آتاه المنيب إلى أواه، الخاشع لمولاه، أبو الحسن بن عبيد الله، تغمده الله برحماه، وجعل الجنة نزله ومثواه، برحمته، ولم أزل أو إلى أهل الولا، واختص بذوي السؤدد والملا، حتى جاء الفراق، ومارق ولا راق، فأنشدتهم وقد قوى العزم، لأبى المغيرة بن حزم:
واجد بالخليل من برحاء الشو ... ق وجدان غيره بالحبيب
ان قلبي لكم كالكبد الحرى ... وقلبي لغيركم كالقلوب
وخرجت منها ضحوة يوم الأحد الثامن عشر من رجب المذكور في جمع وافر، ذي خف وحافر، سرنا نقتفي البيداء، ونغتدى في كل ثنية جرداء، قد دأبنا على الترحال، وركبنا متون الوحال، سمونا على الماء كسمو حبابه حالا على حال، إلى أن وافينا بلد العناب،) وتسمى أيضا بونة (وصلناها أيضا بيمن الله على أفضل الأحوال، ودائرة البيضاء يمنى مركز الزوال، فدخلناها في يوم الجمعة الثالث والعشرين لرجب المذكور، فرأيت مدينة مكينة، وقلعة حصينة شهيرة الامتناع، بائنة الارتفاع، ومعدومة الشبيه والنظير في القلاع، تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع قاعدة كبيرة ومائدة من الأرض مستديرة، سامية الأرجاء، واسعة الفناء، موضوعة على نسبة حسنة في الاعتدال والاستواء، والمدينة العجيبة كالعروس في ناديها قد رفلت في درع واديها، وامتنعت بحسامه المسلول من غير الأيام وعواديها، فأخذت به من المطالب معتصما، وتجلت في سواره معصما فبكل مسقط نظرة ما اشتهت الأنفس من نعيم ونضرة، نهر هتان، يحفه بستان، ومرآي لخواطر الأدباء فتان:
نهر يسيل كما يذوب نضار ... وتدور في أيدي السقاة عقار
فإذا استقام فصارم دامي الظبا ... وإذا انحنى جزع به فسوار
مغرورق التيار، ملتطم كما ... خفقت بظهر مهب ريح نار
فاحمر وأخضر النبات بشطه ... فكأن ذا خد وذاك عذار