وقد تلاقت على أمحاض النية الأرواح في أجسادها، وكادت الأسنة تطير من عواليها. والسيوف تنسل من أغمادها، وتهيأت طيور السهام في وكنات الكنائن كمينا، ومدت من الاشتياق إلى مقاتل أهل الشقاق والنفاق يمينا، وأطالت حنينا، لما كان قو تولى من بغيهم وفسادهم وقطعهم للطرق وعنادهم، وهذا الجبل المذكور هو من أجل اعتمادهم وأتم مرادهم لاختلاف أهوائه، وائتلاف شعرائه، وعظم ساحته واتساع مساحته، وتوعر أرضه، وانخراق طوله وعرضه، وثمراته الشامخات في عنان السماء، التي تبهر في العلو والنماء، وتظهر في إشراق محيا النهار معتكر الظلماء، وما أظن مثلها تحت أديم القرصة الدهماء فدخلناه صبيحة يوم الاثنين ثاني يوم خروجنا في أزيد من مائة إنسان من مشاة وركبان. ورجال وفرسان. نخطر في القنا والأعنة. ونمطر سحائب المنايا من بروق الأسنة فمن عوالي رماح تثير خطياتها وهج الكفاح. من كل مثقف رحب الخط ضنك المدخل أزرق لا ينى عن ورود الأكحل، يميس في اعتداله وإن لم يعدل، قد جرى الموت في عطفيه جرى القضاء المنزل، ومن مواضي سيوف، قد طبعتها أيدي القيون، من شتى حتوف، من كل صارم ذكر، محمود الخبر، يتيه بصدق الأنباء فخرا على الأقلام ويسبق الخطى إلى برى الطلا وإلهام. وتعرف مواقعه بحيث تدور رحا الحرب الزبون بالجيش اللهام:

ذكر برونقه الدماء كأنما ... يعلو الرجال بإرجوان ناقع

وترى مضارب شفرتيه كأنها ... ملح تناثر من وراء الدارع

وكأنما خدر الحسام بهامه ... خدر المدامة أو نعاس الهاجع

ومن القسى شتى الحنايا، تهدى إلى الأرواح إرسال المنايا، من كل زوراء تسبق العين وتدني من الحين، وتصدق الخبر بلا ريب ولا مين، تصمى وهي في النزع مرنان، وتجنى ولها ترنم النشوان وانة الثكلان تشكو وهي ظالمة. وتهدي السبيل وهي به على بعد المدى عالمة:

إذا نبض الرامون عنها ترنمت ... ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز

ومن غدران الماذي ما شئت من سابغات دروع، يغني عنها البطل الشجاع، ويفزع إليها الجبان المروع قد قدر سردها، وأبدع من نسج داود بردها، ومن حسان الدرق اللمطية التي تنبو عن صفحاتها بيض الصفاح وسمر القنا الخطية إعداد تروق العيون، وتدفع عن مستلمها حادث المنون من كل فادية الكماة بنفسها، واقية من كل محذور وبؤس بقوتها وبأسها:

وصليبة تلقى الصفاح بصفحة ... فتردها مفلولة الأغراب

تقسو على قرع السيوف كأنها ... وجه اللئيم قسى على الطلاب

وما شئت من مجن تروق عند النظر، ويعكس شعاعه ضوء البصر يحتوي من الحسن على كل بديعة، ويزري بمجن أبن أبي ربيعة، ومن بيض الرؤوس أمثال حباب طاف أو أنصاف بيض نعام لاحت كزرق نطاف، إلى غير من العدد التي بها تشهد الحرب الزبون، ويهزم العرب الذين هم لاذاية المسلمين يتحزبون، وصحبنا من الصافنات الجياد، التي لم يزل الخير منها في النواصي والأجياد. كرام الخيول وأمثال السيول، من كل نهد يسبق الطرف ويستغرق الوصف:

ومن كل قلبي القميص مدثر ... يروقك كالقرطاس حبره الحبر

وورد كأن الخمر صرفا بجلده ... وأصفر فيه يمزج الماء والخمر

وأشقر حلاه اللجين حجوله ... وغرته ثم استبد به التبر

وأبلق أعطى الليل شطر أديمه ... فلما تمشي فيه ضايقه الفجر

وأدهم في أعطافه تعبس الوغى ... وأشهب في أرجائه يضحك النصر

وطفقنا نخبط في سهل هذا الجبل ووعره، ونخلط سير أترابه بصخره، ونشق أعطافه شقا. وندق جنادله بالحوافر دقا إلى أن أتممنا سيرا عند سقوط الشمس للغروب، وقد أنضيت الرواحل من الإعياء وضعفت النفس من اللغوب، وعندما ملنا للنزول، وعطفنا من تلك الحزون إلى السهول، وتصارخت العرب واجتمع الابن منهم والأب، ثم حملوا علينا حملة ظننا أن الجبال إلينا راجفة، وان الأرض بنا واجفة، فصبرنا لحر طعانهم وتجرعنا مرارة مرانهم واقبلناهم أوجها تتهلل إذا عبس الحمام، وأنفسا تتجلد كلما عضها الحسام، فتجرعنا الغصص وتجرعوا، وأشرعنا إليهم مثل ما إلينا أشرعوا:

لقيناهم بأرماح طوال ... تبشرهم بأعمار قصار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015