ولقد شهدت البشرية شعوبا وقبائل وأمما- ممن احتك بهم الصحابة والتابعون- في شمال الأرض وجنوبها وشرقها وغربها بصدق ما أخبر به القرآن عن أولئك الصحابة الذين خبروهم «1» في حال السلم والحرب.
وبالرغم من أن الصحابة قد جاءوهم فاتحين مقاتلين، إلا أنهم سرعان ما أحبوهم وتعلقت قلوبهم بهم، بعد أن رأوهم في الصورة المثلى للمؤمن الصادق، ونقلت هذه الشعوب إلى أهلها وأبنائها وذراريها من بعدها حب أولئك الأصحاب، فأنشأت علاقة الفتح في قلوب الأمم والشعوب والقبائل التي فتحت المحبة والمودة والتبجيل والثناء والتأسي الحسن بأولئك الأصحاب والتابعين الفاتحين.
وهذا بعكس ما شهد ويشهد به تاريخ البشرية من العلاقة السيئة المملوءة بالحقد والكراهية والبغضاء التي تنشأ بين الشعوب المغزوّة والجيوش الغازية.
والسر في ذلك هو أن هؤلاء الفاتحين ما جاءوا يريدون دنيا الناس، ولكن جاءوا ليخرجوا هذه الشعوب- بإذن الله- من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام متمثلين قول الله تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) [القصص: 83] .
وقوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110] .
وهذا الجيل الصادق من الصحابة ومن بعدهم ممن تبعهم بإحسان هم الذين رووا لنا ما شاهدوا من البينات والخوارق والمعجزات التي كانت سببا في زيادة إيمانهم وتيقنهم من صدق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.