لقد كانت أعين هؤلاء الصحب الكرام كعدسات الكميرات، وآذانهم كأجهزة التسجيل الدقيقة التي تلتقط كل شيء لأنهم يعلمون أنّ دخولهم الجنة متوقف على تأسيهم بأفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم، وطاعتهم لأقواله، فكانت أعينهم شديدة المراقبة لحركات الرسول وسكناته، وكانت آذانهم مرهفة السمع لأقواله، وكانت قلوبهم متلهفة ومتعطشة لسماع الحق والنور والهدى ومعرفته وقبوله فنقلوا لنا فيما نقلوا بينات رسالته، وأحوال عبادته، وحديثه وهديه وسنته، ودقائق أحواله الشخصية وتصرفاته عليه الصلاة والسلام، مع أصحابه وأهله وأعدائه، وتفاصيل عادته في يقظته ونومه وطعامه وشرابه وسائر شؤونه، وتصرفه في أحرج اللحظات التي مرت به وكذا في أوج انتصاراته، وحين المكاره، وتفاصيل محاولات الكفار والمنافقين لخداعه ومساوماتهم له، فكانت سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم نورا مشاهدا لمن حوله.
ثم نقل لنا هؤلاء الأصحاب ما رأوه وشاهدوه وسمعوه من معجزات نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم وأقواله وأفعاله، يحدوهم الشوق للأجر في تبليغ العلم والدين كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «نضّر الله امرأ سمع منا شيئا فبلّغه كما سمعه» (?) ، وتحثهم طاعتهم لرسولهم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسارعة في نشر العلم، فهو القائل: «بلّغوا عنّي ولو آية» (?) ، ويدفعهم القرآن