إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله (?) فراجعه بعضه في ذلك. فغضب، وقال: «انظروا ما أمرتكم به فافعلوه» . وكان هو صلى الله عليه وسلم قد ساق الهدي، فلم يحل من إحرامه، ولما رأى كراهة بعضهم للإحلال قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت» . وقال أيضا: «إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر» . فحل المسلمون جميعهم إلا النفر الذين ساقوا الهدي ; منهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله.
فلما كان يوم التروية أحرم المحلون بالحج، وهم ذاهبون إلى منى، فبات بهم تلك الليلة بمنى وصلى بهم فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم سار بهم إلى نمرة، على طريق ضب، ونمرة خارجة عن عرفة، من يمانيها وغربيها، ليست من الحرم، ولا من عرفة. فنصبت له القبة بنمرة. وهناك كان ينزل خلفاؤه الراشدون بعده، وبها الأسواق، وقضاء الحاجة، والأكل، ونحو ذلك.
فلما زالت الشمس ركب هو ومن ركب معه، وسار المسلمون إلى المصلى ببطن عرنة، حيث قد بني المسجد وليس هو من الحرم، ولا من عرفة. وإنما هو برزخ بين المشعرين: الحلال والحرام هناك، بينه وبين الموقف نحو ميل، فخطب فيهم خطبة الحج على راحلته، وكان يوم الجمعة، ثم نزل فصلى بهم الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين. ثم سار - والمسلمون معه - إلى الموقف بعرفة عند الجبل المعروف بجبل الرحمة. واسمه " إلال " على وزن هلال، وهو